وجاء في (الفواكه الدواني): «الذي يظهر أن الجر من الرجل مظنة البطر والعجب، فيحرم في حقه ذلك، ولو تجرد عن ذلك القصد»(١).
الدليل الرابع: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال:((مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَفِي إِزَارِي اسْتِرْخَاءٌ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، ارْفَعْ إِزَارَكَ، فَرَفَعْتُهُ ثُمَّ قَالَ: زِدْ، فَزِدْتُ، فَمَا زِلْتُ أَتَحَرَّاهَا (٢) بَعْدُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: إِلَى أَيْنَ؟ فَقَالَ: أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ)) (٣).
وجه الاستدلال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنكر على ابن عمر استرخاء إزاره، وأَمَره برفعه، فدل إنكاره -صلى الله عليه وسلم- على تحريم الإسبال؛ لأنه مظنة الخيلاء.
الدليل الخامس: عن جابر بن سُلَيْمٍ الْهُجَيْمِيِّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ولا تحقِرنَّ شيئاً من المعروفِ … وَارْفَعْ إِزَارَكَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ؛ فَإِنَّهَا مِنَ الْمَخِيلَةِ، وَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ … )) (٤).
وجه الاستدلال: أن في الحديث: دليلاً على النهي، والتحذير من الإسبال مطلقاً، وعدم اعتبار التقييد بالخيلاء، وصرح -صلى الله عليه وسلم- أن الإسبال من المخيلة المحرمة، وذلك أن الإسبال يستلزم جر الثوب، وجر الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصد اللابس الخيلاء (٥)، وقوله:(وَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ): ضربٌ من التوعد على الاختيال (٦).
أدلة القول الثاني:
استدلوا بالأحاديث السابقة التي وردت بالنهي عن الإسبال مطلقاً والأحاديث المقيدة بمَن أسبل للخيلاء.
وجه الاستدلال من الأحاديث: قالوا أن الأحاديث المطلقة في الإسبال يجب حملها على المقيدة بالخيلاء، فالتقييد بالخيلاء يدل على أن التحريم مخصوص
(١) (٢/ ٣١٠). (٢) أَتَحَرَّاها: يتحرى الأمر أي يقصده، أتحراها أي: أقصد الهيئة التي أمر بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأحافظ عليها، ويعني بها: إزرته إلى نصف ساقيه. يُنظر: مقاييس اللغة (٢/ ٤٧)، المفهم (٥/ ٤٠٧). (٣) أخرجه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم جر الثوب خيلاء (٣/ ١٦٥٣) برقم: (٢٠٨٦). (٤) سبق تخريجه: ص (٣٤٤). (٥) يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (١٠/ ٢٦٤)، نيل الأوطار (٢/ ١٣٣). (٦) يُنظر: شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (١٦/ ٣٢٧).