الدليل السابع: أن المنع من الاستئجار على الطاعة يُستثنى منه ما فيه ضرورة ظاهرة: كتعليم القرآن خشية ضياعه، ومثله: الأذان (٢).
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: قال الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}(٣).
وجه الاستدلال: أن الإنسان يُثاب على ما عمل وقَدَّم، والأذان يقع قربة عن العامل يُثاب عليها، فلا يجوز له أخْذ الأجرة من غيره: كالصوم، والصلاة (٤).
أُجيب عنه بجوابين: الأول: بأن كونه قربة لا يمنع الإجارة، ولأنه لا يجب عليه، ولأن نَفْعه يعود إلى عموم المسلمين؛ فهو كتعليم القرآن (٥).
الثاني: لا يصح القياس على الصلاة والصوم للفرق بين الفرع والأصل؛ فالصلاة عبادة خاصة بالفاعل والأذان متعدي النفع (٦).
الدليل الثاني: حديث عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه-، قال: قلت: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، فقال:((أَنْتَ إِمَامُهُمْ، وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ، وَاتَّخِذْ مُؤَذِّناً لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْراً)) (٧).
وجه الاستدلال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر باتخاذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً، ويستفاد منه نهيا غير صريحا عن أخذ الأجرة على الأذان، والأصل في النهي التحريم.
نُوقش: أن النهي محمول على الندب لا التحريم (٨)، والقرينة الصارفة له أحاديث الجواز.
(١) الدليلان الخامس والسادس مبنيان على قاعدة: أن كل ما لا يتعين على الأجير أداؤه يجوز الاستئجار عليه إذا كان تجزئ فيه النيابة. يُنظر: موسوعة القواعد الفقهية (٦/ ٣٠٤). (٢) يُنظر: حاشية ابن عابدين (٦/ ٥٥). (٣) سورة النجم: الآية (٣٩). (٤) يُنظر: الاختيار لتعليل المختار (٢/ ٥٩)، البناية (١٠/ ٢٨١). (٥) يُنظر: التعليقة، للقاضي حسين (٢/ ٦٦٢)، مغني المحتاج (١/ ٣٢٧). (٦) يُنظر: عمدة القاري (١٢/ ٩٥). (٧) سبق تخريجه: ص (٢٣١). (٨) المجموع (٣/ ١٢٨)، الذخيرة (٥/ ٤٠١)، أسنى المطالب (١/ ١٣٢).