استدل المالكية على الكراهة بالأحاديث التي استدل بها الجمهور على التحريم، من وجهين: الأول: أن النهي في الأحاديث يُحمل على الكراهة تنزيهاً لجهة القِبلة واليمين عن الأقذار إلا لضرورة فيتفُل، ثم يدفنه (٢).
الثاني: أن كونه خطيئة إنما هو لمَن تفل فيه ولم يدفن، فيُكره؛ لأنه يقذر المسجد، ويتأذى به مَنْ يعلق به أو رآه، فأما مَنْ اضطُر إلى ذلك، فدفن، وفعل ما أُمر به: فلم يأتِ خطيئة، فكأن بدفنه لها أزال عنه الخطيئة وكفَّرها (٣).
نُوقش: بأن هذا كلام باطل، وغلط صريح مخالف لنص الحديث، وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا) فمعناه إن ارتكب هذه الخطيئة فعليه تكفيرها (٤).
سبب الخلاف:
تعارض عمومي قوله:(الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ … )، وقوله:( … وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ)، فمَن جعل الأول عامًا، وخَصَّ الثاني بما إذا لم يكن في المسجد -قال بتحريم البُصاق في المسجد، ومَن جعل الثاني عاماً، وخص الأول بمن لم يرد دفنها -حمل النهي على الكراهة (٥).
الترجيح:
بعد عرض الأقوال وأدلتها يتبين أن الراجح -والله أعلم- قول الجمهور بتحريم البُصاق في المسجد جملةً.
أسباب الترجيح:
١ - أن البُصاق جهة القِبلة فيه سوء أدب عند توجه العبد لربه تعالى، فيحرم لذلك.
(١) يُنظر: فتح الباري، لابن رجب (٣/ ١٠٧). (٢) يُنظر: التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (٢/ ٧). (٣) يُنظر: إكمال المعلم (٢/ ٤٨٧). (٤) يُنظر: المنهاج شرح صحيح مسلم (٥/ ٤١). (٥) يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (١/ ٥١١).