قال أبو الفتح: المألوف فى هذا أكننت الشئ: إذا أخفيته فى نفسك، وكننته: إذا سترته بشئ، فأكننت كأضمرت، وكننت كسترت. فأما هذه القراءة:«تكنّ صدورهم» فعلى أنه أجرى الضمير لها مجرى الجسم الساتر لها مبالغة؛ وذلك لأن الجسم أقوى من العرض، وهذا نحو من قوله:
وحاجة دون أخرى قد عرضت لها … جعلتها للّتى أخفيت عنوانا (١)
فأجرى ما يخفيه الضمير ويبرزه البوح به مجرى ما يدرك باللمس؛ تنويها به، ومباداة للحس بإدراكه. وقد مر به بعض المولدين، فقال:
حبّى له جسم وحب … ب النّاس كلّهم عرض
وعليه قول الآخر:
تغلغل حبّ عثمة فى فؤادى … فباديه مع الخافى يسير (٢)
ألا تراه كيف وصفه بما توصف به الجواهر من السروب والتغلغل؟ ومر به الطائى الكبير، إلا أنه عكسه فقال:
مودّة ذهب أثمارها شبه … وهمّة جوهر معروفها عرض
والباب واسع، والطريق مسهب، إلا أن هذا سمته.
***
{تُكَلِّمُهُمْ}(٨٢)
ومن ذلك قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والجحدرى وأبى زرعة:«تكلمهم»(*١).
قال أبو الفتح:«تكلمهم»: تجرحهم بأكلها إياهم، وهذا شاهد لمن ذهب فى قوله:«تكلّمهم» إلى أنه بمعنى تجرحهم بأكلها إياهم. ألا ترى أن «تكلمهم» لا يكون إلاّ من الكلم، وهو الجرح. وهذه المادة مما وضعته العرب عبارة عن الشدة هى وتقاليبها الستة:«ك ل م»، «ك م ل»، «م ل ك»، «ل ك م»، «م ك ل»، «ل م ك». وقد ذكرناها فى كتابنا
(١) انظر: لسان العرب «عنن». ونسبه لسوار بن مضرب. (٢) انظر: لسان العرب «غلغل». ونسبه لعبيد الله بن عتبة. (*١) وقراءة: أبى حيوة، وابن أبى عبلة، وعكرمة، وطلحة، والحسن، وأبى رجاء. انظر: (الفراء ٣٠٠/ ٢، الطبرى ١١/ ٢٠، القرطبى ٢٣٨/ ١٣، الكشاف ١٦٠/ ٣، النحاس ٥٣٥/ ٢، العكبرى ٩٥/ ٢، مجمع البيان ٢٣٢/ ٧، الرازى ٢١٨/ ٢٤).