للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"أول ما اتخذ النساء المِنْطَقَ (١) من قِبَلِ. أم إسماعيل (٢)، اتخذت مِنطَقًا لِتُعَفِّيَ أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت؛ عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذٍ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابًا فيه تمر، وسقاءً فيه ماء. ثم قَفَّى إبراهيم مُنْطلِقًا، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟! فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له: اللَّه الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذًا لا يضيعنا. ثم رجعت، فانطلق إبراهيم، حتى إذا كان عند الثَّنِيَّة حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه؛ فقال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧)[إبراهيم: ٣٧] وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نَفِدَ ما في السقاء عَطِشَتْ وعَطِشَ ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوَّى (٣) -أو قال: يَتَلَبَّطُ- فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر؛ هل ترى أحدًا؟ فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طَرَفَ


(١) [وهو النَّطاق، وفي "القاموس": "شُقَّةٌ تلبسها المرأة، وتَشُدُّ وسطها، فترسلُ الأعلى على الأسفل إلى الأرض، والأسفل يَنْجَرُّ على الأرض"]. الناشر.
(٢) وهي هاجر أم ولد إبراهيم .
(٣) الأصل: "يلتوي"، والتصحيح من "البخاري".

<<  <   >  >>