فلما فكر قال: إنْ هذا إلا سحر يؤثر، يأثره عن غيره. فنزلت: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (١٢) وَبَنِينَ شُهُودًا (١٣)﴾ [المدثر: ١١ - ١٣] الآيات.
هكذا رواه البيهقي عن الحاكم عن إسحاق (١).
قلت: وفي ذلك قال اللَّه تعالى إخبارًا عن جهلهم وقلة عقلهم: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥)﴾ [الأنبياء: ٥] فحاروا ماذا يقولون فيه؟ فكل شيء يقولونه باطل؛ لأن من خرج عن الحق مهما قاله أخطأ، قال اللَّه تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٤٨)﴾ [الإسراء: ٤٨].
وروى الإمام عبد بن حميد في "مسنده" بسنده عن جابر بن عبد الله قال:
اجتمعت قريش يومًا فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر؛ فليأت هذا الرجل الذي فرّق جماعتنا، وشتت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلمه، ولينظر ماذا يرد عليه؟
فقالوا: ما نعلم أحدًا غير عتبة بن ربيعة. فقالوا: أنت يا أبا الوليد!
فأتاه عتبة فقال: يا محمد! أنت خير أم عبد اللَّه؟ فسكت رسول اللَّه ﷺ.
فقال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت رسول اللَّه ﷺ.
ثم قال: إنْ كنت تزعم أن هؤلاء خير منك؛ فقد عبدوا الألهة التي عِبْتَ،
(١) وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (٢/ ٥٠٦ - ٥٠٧)، وقال: "صحيح على شرط البخاري"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وأخرجه ابن جرير في "التفسير" (٢٩/ ١٥٦) عن عكرمة مرسلًا، ومن طريق أخرى عن ابن عباس.