النخيل والأعناب، فمغلّه يقومُ بكفايته وكفاية ذريته، فأصبح يومًا وقد وجده محترقًا كله كالصَّريم، فأيُّ حسرةٍ أعظمُ من حسرته؟.
قال ابن عباس: هذا مثلُ الذي يُختم له بالفساد في آخر عُمُره (١). وقال مجاهد: هذا مثلُ المفرط في طاعة اللَّه حتى يموت (٢). وقال السُّدِّي: هذا مثل المُرَائي في نفقته الذي يُنْفِقُ لغير اللَّه، ينقطع عنه نفعُهَا أحوج ما يكون إليه (٣)، وسأل عمر بن الخطاب (٤) الصحابة يومًا عن هذه الآية، فقالوا: اللَّه أعلم، فغضب عمر، وقال: قولوا نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين، قال: قل يا ابن أخي، ولا تحقِّر نفسك، قال: ضُرب مثلًا لعمل (٥)، قال: لأي عمل؟ قال: لرجل غني يعمل بالحسنات (٦) ثم بعث اللَّه له شيطانًا فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله كُلَّها" (٧)، قال الحسن: هذا مثلٌ قلَّ واللَّه مَنْ يعقله من الناس، شيخ [كبير](٨) ضَعُف جِسْمُه، وكثُر صِبْيانه، أفقرَ ما كان إلى جنته، وإن أحَدَكم واللَّه أفْقَرُ ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا (٩).
فإنْ عَرَضَ لهذه الأعمال من الصَّدقات ما يُبْطلها من المَنِّ والأذى والرياء؛ فالرياء يمنع انعقادها سببًا للثواب، والمنُّ والأذى يُبطل الثواب [الذي كانت سببًا
(١) نحوه في "تفسير الطبري" (٣/ ٧٥). (٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" (٣/ ٧٥) من طريق ابن أبي نجيح عنه. (٣) أخرج الطبري في "تفسيره" (٣/ ٧٥)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (٢/ ٥٢٣/ رقم ٢٧٧٥) نحوه عنه. (٤) في (ق) بعدها: "رضي اللَّه عنه". (٥) في (ن): "بعمل"، والصواب ما أثبتناه. (٦) في (ق): "الحسنات". (٧) رواه البخاري (٤٥٣٨) في (التفسير): باب {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} -إلى قوله- {تَتَفَكَّرُونَ}، وابن أبي حاتم في "التفسير" (٢/ ٥٢٢ - ٥٢٣ رقم ٢٧٧٥). والذي يظهر من عبارة ابن القيم أن ابن عباس هو الذي فَسَّر العمل؛ لكن الذي في "الصحيح"، فقال عمر: لرجل غني. (٨) ما بين المعقوفتين سقط من (ق). (٩) رواه الطبري في "جامع البيان" (٣/ ٧٦ و ٧٧)، وعبد الرزاق في "التفسير" (٣/ ١٠٨)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (٢/ ٥٢٤/ رقم ٢٧٨٢) بنحوه.