ولا يتمكن المفتي [ولا](١) الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:
أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن (٢) والأمارات والعلامات، حتى يحيط به علمًا.
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حُكْم اللَّه الذي حَكَم به في كتابه أو على لسان رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر؛ فمن بَذَلَ جَهْده واستفرغ وُسْعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرًا (٣)؛ فالعالم مَنْ يتوصل بمعرفة الواقع [والتفقه فيه](٤) إلى معرفة حكم اللَّه ورسوله، كما توصل شاهد يوسف بشق القميص من دُبُرٍ إلى معرفة براءته وصدقه، وكما توصل سليمان -صلى اللَّه عليه وسلم- (٥) بقوله: "ائتوني بالسكين حتى أشق الولد بينكما"(٦) إلى معرفة عين الأم (٧)، وكما توصَّل أميرُ المؤمنين علي -رضي اللَّه عنه- (٨) بقوله للمرأة التي حملت كتاب
(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق). (٢) في (ن): "به القرائن"، وفي (ق): "فهم الواقع أي: الفقه فيه باستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن". (٣) انظر: "الطرق الحكمية" (٢/ ٣)، و"زاد المعاد" (٢/ ٧٨)، و"البدائع" (٣/ ١١٧)، و"مدارج السالكين" (١/ ٤١). (٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) وفي (ك): "والتفقه" دون "فيه". (٥) في (ق): "عليه السلام". (٦) "ادعت امرأتان ولدًا، فحكم داود -كما رُوي- للكبرى، فقال سليمان ائتوني بالسكين أشقه بينهما، فسمحت الكبرى بذلك، وقالت الصغرى: لا تفعل -يرحمك اللَّه! - هو ابنها، فقضى به للصغرى" "الطرق الحكمية" (ص ٥)، للإمام ابن القيم" (و) اهـ. وفي (ك): "أشقق الولد بينهما". (٧) رواه البخاري (٣٤٢٧) في (أحاديث الأنبياء): باب قول اللَّه تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠)}، (٦٧٦٩) في (الفرائض): باب إذا ادعت المرأة ابنًا، ومسلم (١٧٢٠) في (الأقضية): باب اختلاف المجتهدين، من حديث أبي هريرة. (٨) في الأصول جميعًا: "عليه السلام"!! بدل "-رضي اللَّه عنه-" وجاء في (ق): "علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه".