وخالفهم في ذلك آخرون (١)، فلم يروا بالقسم بأسا وجعلوه يمينا، وحكموا له بحكم اليمين وقالوا: قد ذكر الله في غير موضع في كتابه، فقال ﷿: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢)﴾ [القيامة: ١، ٢]، وقال: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (٧٥)﴾ [الواقعة: ٧٥]، وقال: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (١)﴾ [البلد: ١].
وكان تأويل ذلك عند العلماء جميعا أقسم بيوم القيامة و "لا" صلةٌ، وقال الله ﷿: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾ [النحل: ٣٨] فلم يعبهم بقسمهم، ورد عليهم كفرهم، فقال: ﴿بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾ [النحل: ٣٨].
وكان في ذكره جَهدَ أيمانهم دليل على أن ذلك القسم الذي كان منهم يمينا، وقال الله ﷿: ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧)﴾ [القلم: ١٧] فلم يعب ذلك عليهم، ثم قال: ﴿وَلَا يَسْتَثْنُونَ﴾ [القلم: ١٨].
٦٣٨٦ - فحدثني سليمان بن شعيب عن أبيه، عن محمد بن الحسن قال: في هذه الآية دليل على أن القسم يمين؛ لأن الاستثناء لا يكون إلا في اليمين، وإذا كانت يمينا كانت مباحة فيما سائر الأيمان فيه مباحة: ومكروهة فيما سائر الأيمان فيه مكروهة (٢).
(١) قلت: أراد بهم: النخعي، والثوري، وأبا حنيفة، وأصحابه ﵏، كما في النخب ٢٢/ ٣١٥. (٢) رجاله ثقات.