وخالفهم في ذلك أكثر العلماء (١) فقالوا: لا يجوز بيع الفضة بالفضة، ولا الذهب بالذهب، إلا مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد.
وكان من الحجة لهم في تأويل حديث ابن عباس ﵄، عن أسامة ﵁، الذي ذكرنا في الفصل الأول أن ذلك الربا إنما عنى به ربا القرآن الذي كان أصله في النسيئة، وذلك أن الرجل كان يكون له على صاحبه الدين، فيقول له: أجلني به إلى كذا وكذا بكذا وكذا درهما أزيدكها في دينك، فيكون مشتريًا لأجل بمال، فنهاهم الله ﷿ عن ذلك بقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٧٨].
ثم جاءت السنة بعد ذلك بتحريم الربا في التفاضل (٢) في الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وسائر الأشياء من المكيلات والموزونات على ما ذكره عبادة بن الصامت ﵁، عن رسول الله ﷺ فيما رويناه عنه فيما تقدم من كتابنا هذا في "باب بيع الحنطة بالشعير" فكان ذلك ربًا حرم بالسنة وتواترت به الآثار عن رسول الله ﷺ حتى قامت بها الحجة.
والدليل على أن ذلك الربا المحرم في هذه الآثار هو غير الربا الذي رواه ابن
(١) قلت: أراد بهم: جماهير العلماء من التابعين، ومن بعدهم منهم: الأئمة الأربعة، وأصحابهم ﵏، كما في النخب ١٩/ ٣٣٤. (٢) في د س "الفضل".