وقوله: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾ قال مجاهد: أضاء. وقال قتادة: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾: إذا غشيها النهار.
قال ابن جرير: وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى: والنهار إذا جلا الظلمة، لدلالة الكلام عليها.
قلت: ولو أن هذا القائل تأول بمعنى ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾، أي: البسيطة، لكان أولى [ويصح تأويله في قوله][١]: ﴿وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾، فكان [٢] أجود وأقوى، والله أعلم. ولهذا قال مجاهد: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾ إنه كقوله: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾. وأما ابن جرير فاختار عود الضمير في ذلك كله على الشمس، لجريان ذكرها. وقالوا في قوله: ﴿وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾، يعني إذا يغشى الشمس حين تغيب، فتظلم الآفاق.
وقال بقية بن الوليد، عن صفوان، حدثني يزيد بن ذي حمامة قال: إذا جاء الليل قال الرب ﷻ: غشي عبادي خلقي العظيم، فالليل يهابه، والذي خلقه أحق أن يهاب. رواه ابن أبي حاتم.
وقوله: ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾: يحتمل أن تكون "ما" هاهنا مصدرية، بمعنى: والسماء وبنائها، وهو قول قتادة. ويحتمل أن تكون بمعنى "مَن" يعني [٣]: والسماء وبانيها. وهو قول مجاهد، وكلاهما متلازم والبناء هو الوفع، كقوله (﴿وَالسَّمَاءَ بَنَينَاهَا بِأَيدٍ﴾، أي: بقوة ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ﴾ وهكذا قوله: ﴿وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا﴾، قال مجاهد: ﴿طَحَاهَا﴾ دحاها. وقال العوفي، عن ابن عباس ﴿وَمَا طَحَاهَا﴾: أي: خلق فيها.
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: ﴿طَحَاهَا﴾ قسمها.
وقال مجاهد، وقتادة، [والضحاك][٤]، والسدي، والثوري، وأبو صالح، وابن زيد: ﴿طَحَاهَا﴾: بسطها.
وهذا أشهر الأقوال، وعليه الأكثر من المفسرين، وهو المعروف عند أهل اللغة، قال الجوهري: طحوته مثل دحوته، أي: بسطه.
وقوله: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾، أي: خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة، كما [٥] قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ
[١]- ما بين المعكوفين في ت: "وأصح قول الله". [٢]- في ز: لكان. [٣]- في ز: بمعنى. [٤]- سقط من ز. [٥]- في ز: و.