وقوله: ﴿مَاءً ثَجَّاجًا﴾ قال مجاهد وقتادة، والربيع بن أنس: ﴿ثَجَّاجًا﴾: منصبًّا، وقال الثوري: متتابعًا. وقال ابن زيد: كثيرًا.
قال ابن جرير: ولا يعرف في كلام العرب في صفة الكثرة: الثج، وإنما الثج: الصب المتتابع ومنه قول النبي ﷺ: "أفضلُ الحجّ العجّ والثجّ"(١). يعني: صَبّ دماء البُدْن. هكذا قال: قلت: وفي حديث المستحاضة (٢) حين قال لها رسول الله ﷺ: "أنعتُ لك الكُرسُفَ" -يعني: أن تحتشي بالقطن- قالت: يا رسول الله، هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجًّا. وهذا فيه دلالة على استعمال الثج في الصبّ المتتابع الكثير، والله أعلم.
وقوله: ﴿لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا﴾، أي: لنخرج بهذا الماء الكثير الطب النافع المبُارَك ﴿حَبًّا﴾ يدخر للأناسي والأنعام، ﴿وَنَبَاتًا﴾، أي: خضرا يؤكل رطبًا، ﴿وَجَنَّاتٍ﴾، أي: بساتين وحدائقَ من ثمرات متنوعة، وألوان مختلفة، وطعوم وروائح متفاوتة، وإن كان ذلك في بقعة واحدة من [١] الأرض مجتمعًا؛ ولهذا قال: ﴿وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا﴾ قال ابن عباس، وغيره: ﴿أَلْفَافًا﴾: مجتمعة. وهذه كقوله تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاورَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾ … الآية.
(١) أخرجه الترمذي في كتاب: الحج، باب: ما جاء في فضل التلبية والنحر، حديث (٨٢٧) (٣/ ١٧٥)، والدارمي (٢/ ٣١) كتاب المناسك، باب: أي الحج أفضل. وصححه ابن خزيمة (٤/ ١٧٥) (٢٦٣١). والحاكم (١/ ٤٥٠ - ٤٥١) كلهم من حديث أبي بكر الصديق ﵁. وصححه الألباني في الصحيحة (١٥٠٠) بشواهده. (٢) أخرجه أحمد (٦/ ٤٣٩) (٢٧٥٨١). وأبو داود في كتاب: الطهارة، باب: من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، حديث (٢٨٧) (١/ ٧٦ - ٧٧). والترمذي في كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة، حديث (١٢٨) (١/ ١٤٨ - ١٥٠). وابن ماجة في كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في البكر إذا ابتدأت مستحاضة أو كان لها أيام حيض فنسيتها، حديث (٦٢٧) (١/ ٢٠٥ - ٢٠٦). كلهم من حديث حمنة بنت جحش ﵂ قال الترمذي: حسن صحيح. وقال: وسألت محمدًا عن هذا الحديث؟ فقال: هو حديث حسن صحيح. ا هـ. وحسنه الألباني في الإرواء (١٨٨).