وقال مجاهد: ﴿لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾: يمضى أمامه راكبًا رأسه. وقال الحسن: لا يلقى [١] ابنُ آدم إلا تنزع نفسه إلى معصية الله قُدُمًا قُدُمًا، إلا من عصمه الله.
وروي عن عكرمة، وسعيد بن جبير، والضحاك، والسدي، وغير واحد من السلف: هو الذي يُعجِّل الذنوبَ ويُسوِّف التوبة. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: هو الكافر يكذِّب بيوم الحساب.
وكذا قال ابن زيد، وهذا هو الأظهر من المراد، ولهذا قال بعده: ﴿يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ﴾، أي: يقول متى يكون يوم القيامة؟ وإنما سؤاله سؤال استبعاد لوقوعه وتكذيب لوجوده، كما قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ﴾.
وقال تعالى هاهنا: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ﴾ - قال أبو عمرو بن العلاء:(بَرق) -بكسر الراء- أي: حار. وهذا الذي قاله شبيه بقوله تعالى: ﴿لَا يَرْتَدُّ إِلَيهِمْ طَرْفُهُمْ﴾، بل ينظرون من الفزع هكذا وهكذا، لا يستقر لهم بصر على شيء، من شدة الرعب.
وقرأ آخرون:(بَرَق) بالفتح، وهو قريب في المعنى من الأول. والمقصود أن الأبصار تنبهر يوم القيامة، وتخشعُ وتحار وتذل من شدّة الأهوال، ومن عِظم ما يشاهده يوم القيامة من الأمور.
وقوله: ﴿وَخَسَفَ الْقَمَرُ﴾، أي: ذهب ضوؤه، ﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾. قال مجاهد: كُورا. وقرأ ابن زيد عند تفسير هذه الآية: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾. وروي عن ابن مسعود أنه قرأ: ﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾.
وقول: ﴿يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَينَ الْمَفَرُّ﴾، أي: إذا عانى ابنُ آدمَ هذه الأهوال يوم القيامة حينئذ [يريد أن][٢] يفر ويقول: أين المفر؟ أي: هل من ملجأ أو موئل؟ قال الله تعالى: ﴿كَلَّا لَا وَزَرَ (١١) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾.
قال ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن جبير، وغير واحد من السلف: أي لا نجاة.
وهذه كقوله: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ﴾، أي: ليس لكم مكان تتنكرون [٣] فيه، [وكذا قال هاهنا: ﴿كَلَّا لَا وَزَرَ﴾، أي: ليس لكم مكان تعتصمون فيه][٤]
[١]- في ز: لا يكف. وفي خ: لا يكفي. [٢]- سقط من ز، خ. [٣]- في ز، خ: تعتصمون. [٤]- سقط من ز، خ.