للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لما ذكر تعالى حال أهل الجنَّة الدنيوية، وما أصابهم فيها من النقمة حين عصوا الله ﷿ وخالفوا أمره، بين أن لمن اتقاه وأطاعه في الدار الآخرة جنات النعيم التي لا تَبِيد ولا تفرغ ولا ينقضي نعيمها.

ثم قال: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾، أي: أفنساوي بين هؤلاء وهؤلاء في الجزاء؟ كلا ورب الأرض والسماء، ولهذا قال: ﴿مَا لَكُمْ كَيفَ تَحْكُمُونَ﴾ أي كيف تظنون [١] ذلك؟

ثم قال: ﴿أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾، يقول: أفبأيديكم كتاب منزل من السماء تدرسونه وتحفظونه وتتداولونه بنقل [٢] الخلف عن السلف، مُتضمّن حكمًا مؤكدًا كما تدعونه؟ ﴿إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيمَانٌ عَلَينَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ أي: أمعكم عهود منا ومواثيق مؤكدة، ﴿إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾، أي: إنَّه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون، ﴿سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ أي: قل لهم: من هو المتضمن المتكفل بهذا؟ ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ﴾، أي: من الأصنام والأنداد، ﴿فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾.

﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧)

لما ذكر تعالى أن للمتقين عنده جنات النعيم، بين متى ذلك كائن وواقع، فقال: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾، يعني يوم القيامة وما يكون فيه من الأهوال والزلازل والبلابل والامتحان والأمور العظام، وقد قال البُخاريّ (٤١) ها هنا:

حدَّثنا آدم، حدَّثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النَّبيَّ يقول [٣]: "يَكشِفُ رَبُّنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في


(٤١) صحيح البخاري في بابه: التفسير، باب: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾، حديث (٤٩١٩) (٨/ ٦٦٣ - ٦٦٤).