الله لله، لا يؤتمن عليهن إلا الله. قال أبو القاسم ﷺ:"كما أنه لا يُجتنى [١] من الشوك العنب، كذلك لا ينال الفجار منازل الأبرار"(٢).
هذا حديث غريب [٢]. من هذا الوجه. وقد ذكر محمد بن إسحاق في كتاب "السيرة"(٣) أنهم وجدوا حجرًا بمكة في أسِّ الكعبة مكتوبًا عليه: تعملون السيئات وترجون الحسنات؟ أجل كما يجتنى من الشوك العنب.
وقد روى الطبراني (٤) من حديث شعبة، عن عمرو بن مُرّة، عن أبي الضحى، عن مَسروُق: أن تميمًا الداريّ قام ليلة حتى أصبح يرُدّد هذه الآية: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾. ولهذا قال تعالى: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾، وقال] [٣]: ﴿وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾ أي: بالعدل، ﴿وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.
ثم قال: ﴿أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ أي: إنما يأتمر بهواه، فمهما رآه حسنًا فعله، ومهما رآه قبيحًا تركه. وهذا قد يستدل به على المعتزلة في قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين. وعن مالك -فيما روي عنه من التفسير-: لا يهوى شيئًا إلا عَبَدَهُ.
أحدهما: وأضله الله لعلمه أنه يستحق ذلك. والآخر [٤]: وأضله الله بعد بلوغ العلم إليه، وقيام الحجة عليه. والثاني يستلزم الأول، ولا ينعكس.
﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾ أي: فلا يسمع ما ينفعه، ولا يعي شيئًا يهتدي به، ولا يرى حجة يستضيء بها، ولهذا قال: ﴿فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾، كقوله: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾.