هذه إحدى الآيات الثلاث التي [١] لا رابع لهن، مما أمر الله رسوله ﷺ أن يقسم بربه العظيم على وقوع المعاد لمَّا أنكره من أنكره من أهل الكفر والعناد، فإحداهن في "سورة يونس": ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾، والثانية هذه: ﴿وَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾: والثالثة في "التغابن" ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾، فقوله: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾، ثم وصفه بما يؤكد ذلك ويقرره: ﴿عَالِمِ الْغَيبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.
قال مجاهد وقتادة: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ﴾، لا يغيب عنه، أي: الجميع مندرج تحت علمه فلا يخفى [٢] عليه منه شيء فالعظام -وإن تلاشت وتفرقت وتمزقت- فهو عالم أين ذهبت وأين تفرقت، ثم يعيدها كما بدأها أول مرة، فإنه بكل شيء عليم.
ثم بين حكمته في إعادة الأبدان وقيام الساعة بقوله: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ [٣]﴾، أي: سعوا في الصد عن سبيل الله وتكذيب رسله، ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾، أي: لينعم السعداء من المؤمنين، ويعذب الأشقياء من الكافرين، كما قال: ﴿لَا يَسْتَوي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾. وقال تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾.
وقوله: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ﴾، هذه حكمة أخرى معطوفة على التي قبلها. وهي أن المؤمنين بما أنزل على الرسل إذا شاهدوا قيام الساعة
[١]- في ز: "اللاتي". [٢]- في ت: "تخفى". [٣]- في ز: "معجرين".