للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر الحافظ أَبو عمر بن عبد البر في "الاستيعاب" أن الجارية لما قالت في خدرها: "أتردون على رسول الله أمره؟ تلت هذه الآية: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾.

وقال ابن جريج: [أخبرني عامر بن مصعب، على طاوس، قال: إنه سأل ابن عبَّاس عن ركعتين بعد العصر، فنهاه، وقرأ ابن عبَّاس : ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾] [١].

فهذه [٢] الآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنَّه إذا حكم الله ورسوله بشيء، فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد هاهنا ولا رأي ولا قول، كما قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

وفي الحديث (١١٤): " والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتَّى يكون هواه تبعًا لما جئت به". ولهذا شدد في خلاف ذلك، فقال: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ كقوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيهِ أَمْسِكْ عَلَيكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَي لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٣٧)

يقول تعالى مخبرًا عن نبيه : إنه قال لمولاه زيد بن حارثة، وهو الذي ﴿أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِ﴾، أي: بالإِسلام ومتابعة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام: ﴿وَأَنْعَمْتَ عَلَيهِ﴾، أي: بالعتق من الرق، وكان سيدًا كبير الشأن جليل القدر، حبيبًا إلى النبي ، يقال له: الحبّ، ويقال لابنه أسامة: الحب ابن الحبّ. قالت عائشة : ما بعثه رسول الله في سرية إلَّا أثره عليهم، ولو عاش بعده لاستخلفه.


(١١٤) - تقدم تخريجه في تفسير التوبة الآية (٢٤).