للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم الذي لا يَشُك فيه من تَدبَّر القرآن أن نساء النبي داخلات في قوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِرًا﴾، فإن سياق الكلام معهن؛ ولهذا قال بعد هذا كله: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾، أي: اعملن بما نزل [١] الله على رسوله في بيوتكن من الكتاب والسنة، قاله قَتَادة وغير واحد. واذكرن هذه النعمة التي [خصصتن بها] [٢] من بين الناس، إن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس، وعائشة بنت الصديق أولاهن بهذه النعمة، وأحظاهن بهذه الغنيمة، وأخصهن من هذه الرحمة العميمة، فإنه اسم ينزل على رسول الله الوحي في فراش امرأة سواها، كما نص على ذلك (٩٠).

قال بعض العلماء : لأنه لم يزوج بكرًا سواها، ولم ينم معها رجل في فراشها سواه، فناسب أن تخصص بهذه المزية، وأن تفرد بهذه الرتبة العلية، ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته، فقرابته أحق بهذه التسمية، كما تقدم في الحديث: "وأهل بيتي أحق" (٩١).

وهذا يشبه ما ثبت في صحيح مسلم: أن رسول الله لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال: "هو مسجدي هذا" (٩٢).

فهذا من هذا القبيل؛ فإن الآية إنما نزلت في مسجد قُباء، كما ورد في الأحاديث الأخر (٩٣). ولكن إذا كان ذاك أسس على التقوى من أول يوم، فمسجد رسول الله أولى بِتَسمِيتِه بذلك، والله أعلم.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدَّثنا أبي، حدَّثنا أَبو [٣] الوليد، حدَّثنا أَبو عوانة، عن حُصَين بن عبد الرحمن، عن أبي [٤] جميلة قال [٥]: إن الحسن بن علي استُخلِفَ حين قُتِال عليّ - رضي


(٩٠) - أخرجه البخاري في صحيحه في الهبة، باب: من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض، حديث، (٢٥٨١) من حدث عروة بن الزبير عن عائشة بحديث طويل فيه: "لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلَّا عائشة".
(٩١) - تقدم عن حديث واثلة برقم (٧٧).
(٩٢) - صحيح مسلم في الحج، حديث (١٣٩٨) من حدث أبي سعيد الخدري. بلفظ: "هو مسجدكم هذا".
(٩٣) - تقدم في التوبة الآية (١٠٨).