وهكذا روى مسلم في صحيحه (٣٧)، عن ابن عباس: أن أبا سفيان صخر بن حرب لما أسلم قال: يا رسول الله؛ ثلاث أعْطنِيِهنّ [١]. قال:"نعم". قال [٢]: معاوية تجعله كاتبًا بين يديك. قال:"نعم". قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار، كما كنت أقاتل المسلمين. قال:"نعم"، وذكر الثالثة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ قيل: معناه ذكروا الله كثيرًا في كلامهم. وقيل: في شعرهم، وكلاهما صحيح مُكفّر لما سبق.
وقوله: ﴿وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ قال ابن عباس: يردون [٣] على الكفار الذين كانوا يهجون به المؤمنين. وكذا قال مجاهد، وقتادة، وغير واحد. وهذا كما ثبت في الصحيح أن رسول الله، ﷺ، قال لحسان:"اهجهم -أو قال: هاجهم- وجبريل معك"(٣٨).
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه، أنه قال للنبي ﷺ: إن الله عزَّ جلَّ قد أنزل في الشعر ما أنزل، فقال:"إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده [٤]، لكأن ما ترمونهم به نَضْح النَبْل"(٣٩).
وقوله: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾. وفي الصحيح أن رسول الله ﷺ قال:"إياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة"(٤٠).
وقال قتادة بن دِعَامَة في قوله: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ يعني من الشعراء وغيرهم.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا إياس بن أبي تَميمة، قال: حضرت الحسن ومُرَّ عليه بجنازة نصراني، فقال الحسن: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾.
(٣٧) صحيح مسلم حديث (٢٥٠١). (٣٨) صحيح البخاري حديث (٦١٥٣)، وصحيح مسلم حديث (٢٤٨٦) من حديث البراء بن عازب، ﵁. (٣٩) المسند (٦/ ٣٨٧). (٤٠) صحيح مسلم حديث (٢٥٧٨) من حديث جابر، ﵁، ولفظه: "اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة".