وقال الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ الآية، قال: كان النبي ﷺ وأصحابه بمكة نحوًا من عشر سنين يدعون إلى الله وحده وعبادته وحده لا شريك له سرًّا، وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال حتى أمروا بعد بالهجرة إلى المدينة، فقدموها [١] فأمرهم الله بالقتال، فكانوا بها خائفين يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح، فَغَبَروا بذلك ما شاء الله ثم إن رجلًا من الصحابة قال: يا رسول الله؛ أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح؟ فقال رسول الله ﷺ:"لن تَغبروا إلا يسيرًا حتى يجلس الرجل منكم في الملإ العظيم محتبيًا [٢] ليست فيهم حديدة". وأنزل الله هذه الآية فأظهر الله نبيه على جزيرة العَرب فآمنوا ووضعوا السلاح. ثم إن [٣] الله تعالى قبض نبيه ﷺ، فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان، حتى وقعوا فيما وقعوا فيه [٤] فأدخل عليهم الخوف [فأدخلوا][٥] الحجز والشرط وغيروا فغير بهم.
وقال بعض السلف: خلافة أبي بكر وعمر ﵄ حق في كتابه، ثم تلا هذه الآية.
وقال البراء بن عازب: نزلت هذه الآية ونحن في خوف شديد.
وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
وقوله تعالى: ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ كما قال تعالى عن موسى ﵇ أنه قال لقومه: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيفَ تَعْمَلُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ
= (٥/ ٤٧ رقم: ٨١٥٥). كلهم من طريق سعيد بن جمهان به. ولم ترد لفظة: "عضوضًا" في أي من هذه المصادر، وإنما وردت في حديث آخر عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل عن النبي ﷺ قال: "إن الله تعالى بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة، وكائنًا خلافة ورحمة، وكائنًا عضوضًا، وكائنا عنوة وجبرية وفسادًا في الأمة. . الحديث" أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٨/ ١٥٩).