مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيرِ مُخَلَّقَةٍ﴾. فإذا بلغت مضغة نكست في الخلق [الرابع فكانت نسمة، وإن كانت غير مخلقة قذفتها الأرحام دمًا، وإن كانت مخلقة نكست في الخلق][١].
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أَسِيد يبلغ به [][٢] النبي، ﷺ، قال:"يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين يومًا [٣] أو خمس وأربعين، فيقول: أي رب، أشقي أم سعيد؟ فيقول الله، ويكتبان، فيقول: أذكر أم أنثى؟ فيقول الله، ويكتبان، ويكتب عمله وأثره، ورزقه وأجله، ثم تطوى الصحف فلا يزاد على ما فيها ولا ينتقص". ورواه [٤] مسلم (١٦) من حديث سفيان بن عيينة ومن طرق أخرَ عن أبي الطفيل بنحو معناه.
وقوله: ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾. أي: ضعيفًا في بدنه وسمعه وبصره وحواسه، وبطشه وعقله. ثم يعطيه الله القوة شيئًا فشيئًا، ويلطف به، ويحنّن عليه والديه في آناء الليل وأطراف النهار. ولهذا قال: ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ﴾، أي: يتكامل القويّ ويتزايد، ويصل إلى عنفوان الشباب وحسن المنظر. ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى﴾، أي: في حال شبابه وقواه، ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُر﴾، وهو الشيخوخة والهرم وضعف القوة والعقل والفهم، وتناقص الأحوال من الخرف [٥] وضعف الفكر، ولهذا قال: ﴿لِكَيلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيئًا﴾، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾.
وقد قال الحافظ [أبو يعلى][٦] أحمد بن عليّ بن المثنى الموصلي في مسنده (١٧): حدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثنا خالد الزيات، حدثني داود أبو سليمان، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن مَعمَر بن حَزم الأنصاري، عن أنس بن مالك -رفع الحديث- قال: "المولود حتى يبلغ الحنث، ما عمل من حسنة كتبت لوالده أو لوالدته، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث أجرى [٧] الله عليه القلم [٨]، أمر
(١٦) - أخرجه مسلم كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه … الحديث (٢٦٤٤) (١٦/ ٢٩٦ - ٢٩٧). (١٧) - مسند أبي يعلى (٦/ ٣٥١ - ٣٥٢) رقم (٣٦٧٨).