وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف، وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها، والله أعلم بحال كثير منها، ومنها ما قد يقطع بكذبه؛ لمخالفته الحق الذي بأيدينا، وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، وقد وضع فيها أشياء كثيرة، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذين ينفون [١] عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين، كما لهذه الأمة من الأئمة العلماء، والسادة الأتقياء، والأبرار النجباء، من الجهابذة النقاد، والحفاظ الجياد، الذين دونوا الحديث وحرروه، وبينوا صحيحه من حسنه، من ضعيفه من منكره، وموضوعه ومتروكه ومكذوبه، وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولبن، وغير ذلك من أصناف الرجال، كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي، خاتم الرسل وسيد البشر ﷺ أن ينسب إليه كذب، أو يحدث عنه بما ليس منه [٢]، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم، وقد فعل.
وقوله: ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾، أي: فخرج عن طاعة الله، فإن الفسق: هو الخروج، يقال [٣]: فسقت الرطبة، إذا خرجت من أكمامها، وفسفت الفأرة من جُحْرها، إذا خرجت منه للعيث [٤] والفساد.
ثم قال تعالى مقرعًا وموبخًا من اتبعه وأطاعه: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ﴾ أي: بدلًا عني؛ ولهذا قال: ﴿بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾.
وهذا المقام كقوله بعد ذكر القيامة وأهوالها، ومصير كل من الفريقين؛ السعداء والأشقياء في سورة يس: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾.
يقول تعالى: هؤلاء الذين اتخذتموهم أولياء من دوني عبيد أمثالكم، لا يملكون شيئًا، ولا أشهدتهم [خلقي للسماوات][٥] والأرض، ولا كانوا إذ ذاك موجودين؛ يقول تعالى:
[١]- في ز: "يتقون". [٢]- سقط من: خ. [٣]- في ز: "يقول". [٤]- في ز: "للعبث". [٥]- ما بين المعكوفتين في خ: "خلق السموات".