وهذه أيضًا من صفات المنافقين لا يسلم أحد من عيبهم، ولمزهم في جميع الأحوال، حتى ولا المتصدقون يسلمون منهم، إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا: هذا مُرَاءٍ، وإن جاء بشيء يسيرٍ قالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا.
كما قال [١] البخاري (١٧٢): حدثنا عبيد الله بن سعيد [٢]، حدثنا أبو النعمان البصري، حدثنا شعبة، عن سليمان، عن أبي وائل، عن أبي مسعود، ﵁، قال: لما نزلت آية الصدقة، كنا نحامل [٣] على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا: مرائي، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا: إن الله لغنى عن صدقة هذا. فنزلت [٤]: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ﴾ الآية.
وقد [٥] رواه مسلم أيضًا في صحيحه من حديث شعبة، به.
وقال الإمام أحمد (١٧٣): حدثنا يزيد ثنا [٦] الجريري [٧]، عن أبي السليل قال: وقف علينا رجل في مجلسنا بالبقيع فقال: حدثني أبي أو عمي: أنه رأى رسول الله، ﷺ، بالبقيع، وهو يقول:"من يتصدق بصدقة أشهد له بها يوم القيامة؟ ". قال: فحللت من عمامتي لوثا أو لوثين، وأنا أريد أن أتصدق بهما، فأدركني ما يدرك ابنَ آدم فعقدت [٨] على عمامتي، فجاء رجل لم أر بالبقيع رجلاً أشد منه سوادًا، [ولا أصغر][٩] منه ولا أَدَمَّ [بعين منه]، ببعير ساقه، لم أر بالبقيع ناقة أحسن منها [١٠]، فقال: يا رسول الله،
(١٧٢) - صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب: اتقوا النار رقم (١٤١٥)، وصحيح مسلم، كتاب الزكاة رقم (١٠١٨). (١٧٣) - المسند (٥/ ٣٤) رقم (٢٠٤١٢) والجريري: ثقة، روى له البخاري ومسلم؛ إلا أنه اختلط، وسمع منه يزيد بن هارون بعد الاختلاط. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٣/ ١٢١) وعزاه لأحمد وقال: "وفيه رجل لم يسم"