للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿أَوْ تَقُولُوا [١] لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ﴾ أي: وقطعنا تعللكم [٢]: أن تقولوا لو أنا أنزل علينا ما أنزل عليهم، لكنا أهدى منهم فيما أوتوه، كقوله: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ [فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا] [٣]﴾، وهكذا قال هاهنا: ﴿فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ﴾ يقول: فقد جاءكم من الله على لسان محمد النبي العربي قرآن عطم، فيه بيان للحلال والحرام، وهدى لما في القلوب، ورحمة من الله بعباده الذين يتبعونه ويقتفون ما فيه.

وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا﴾ أي: لم ينتفع بما جاء به الرسول، ولا اتبع ما أرسل به، ولا ترك غيره، بل صدف عن اتباع آيات الله، أي: صرف الناس وصدهم عن ذلك، قاله السدي.

وعن ابن عباس (٣٦٠) ومجاهد وقتادة ﴿وَصَدَفَ عَنْهَا﴾: أعرض عنها.

وقول السدي هاهنا فيه قوة؛ لأنه قال: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا﴾ كما تقدم في أول السورة ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ﴾، وقال في هذه الآية الكريمة: ﴿سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ﴾.

وقد يكون المراد [فيما قاله] [٤] ابن عباس ومجاهد وقتادة ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا﴾ أي: لا آمن بها ولا عمل بها، كقوله تعالى: ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (٣١) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ وغير [٥] ذلك من الآيات الدالة على اشتمال الكافر على التكذيب بقلبه، وترك العمل بجوارحه، ولكن المعنى الأول أقوى وأظهر والله أعلم.

﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي


(٣٦٠) - أخرجه ابن جرير (١٢/ ١٤١٩١) وابن أبي حاتم (٥/ ٨١٣٤) وابن المنذر - كما في "الدر المنثور" (٣/ ١٠٨) من طريق على بن أبي طلحة عنه به.