يقول تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ﴾ أي: فرضت طاعته على من أرسله اليهم. وقوله: ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ قال مجاهد: أي: لا يطيع أحد الا بإذني، يعني: لا يطيعهم الا من وفقته لذلك. كقوله: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ أي: عن أمره وقدره ومشيئته وتسليطه إياكم عليهم.
وقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ الآية [١] يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقعٍ منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول ﷺ فيستغفروا اللَّه عنده ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب اللَّه عليهم ورحمهم وغفر لهم، ولهذا قال: ﴿لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾. وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه "الشامل" الحكاية المشهورة عن العتبي قال: كنت جالسًا عند قبر النبي ﷺ، فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ وقد جئتك مستغفرًا لذنبي مستشفعًا بك إلى ربي. ثم أنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه … فطاب من طيبهنّ القاع والأكم
ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني، فرأيت النبي ﵌ فى النوم فقال:"يا عُتَبِى الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له".
وقوله: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول ﷺ فى جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له [باطنا وظاهر][٢]. ولهذا قال: ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ أي: إذا حكموك يطعونك في بواطنهم، فلا يجدون [٣] في أنفسهم حرجا مما حكمت به، وينقادون [٤] له في الظاهر
[١]- بعده فى خ: "وقد ذكر جماعة". [٢]- في ز: "ظاهرا وباطنا". [٣]- في ز: "يجدوا". [٤]- في ز: "ينقادوا".