لها حافر مثل قعب الوليد … تتّخذ الفار فيه مغارا (١)
ومعناه: لو اتخذت فيه مغارا لوسعها-جاز أيضا أن يقال:«وإن يستعتبوا»؛ لأن الشرط ليس بصريح إيجاب، ولا بد فيه من معنى الشك. وتتخذ الغار فيه لفظ التصريح به، وهو مع ذلك لم يقع، ولا يقع، فهذا طريق قوله تعالى:«وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين»؛ لأن لفظه لفظ الشك، وإن لم يكن هناك استعتاب لهم أصلا، ألا ترى إلى قوله فى الآية الأخرى:{فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}(٢).
***
{وَاِلْغَوْا فِيهِ}(٢٦)
ومن ذلك قراءة بكر بن حبيب السّهمىّ:«والغوا فيه»، بضم الغين (٣).
قال أبو الفتح: اللّغو اختلاط القول فى تداخله، يقال منه: لغا يلغو، وهو لاغ. ومنه الحديث:«من قال فى الجمعة: صه فقد لغا»(٤)، يراد بذلك توقيرها وتوفيتها حقها من الخشوع والإخبات فيها، أى: فهو بمنزلة من أطال الكلام وخلّط فيه. وفى الحديث أيضا:«إياكم وملغاة أول الليل»، أى: كثرة الحديث. فهذا كالحديث المرفوع: خرج علينا عمر، فجدب لنا السّمر، أى: عابه.
ونحو منه قول الله سبحانه:{وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً}(٥)، وقوله:{وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ}(٦)، أى: بالباطل، فهو راجع إلى هذا؛ لأن كثرة القول مدعاة إلى الباطل، وقوله تعالى:{لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً}(٧) يحتمل أمرين:
(١) سبق الاستشهاد به. (٢) سورة الجاثية الآية (٣٥). (٣) وقراءة عبد الله بن بكير السلمى، وابن أبى إسحاق، وعيسى بن عمر، وقتادة، وأبى حيوة، الزعفرانى. انظر: (مختصر شواذ القراءات ١٣٤، الأخفش ٤٦٦/ ٢، الكشاف ٤٥١/ ٣، القرطبى ٣٥٦/ ١٥، البحر المحيط ٤٩٤/ ٧، النحاس ٣٧/ ٣، العكبرى ١١٩/ ٢، الرازى ١١٩/ ٢٧). (٤) أخرجه الترمذى عن أبى هريرة مرفوعا برقم ٤٧٠، وأخرجه أبو داود فى كتاب الصلاة برقم (١١٠٥١). (٥) سورة الفرقان الآية (٧٢). (٦) سورة القصص الآية (٥٥). (٧) سورة الغاشية (١١).