ومن ذلك ما روى عن ابن كثير وأهل مكة:«ونزّل الملائكة»(١)، وكذلك روى خارجة عن أبى عمرو.
قال أبو الفتح: ينبغى أن يكون محمولا على أنه أراد: وننزّل الملائكة، إلا أنه حذف النون الثانية التى هى فاء فعل نزّل؛ لالتقاء النونين استخفافا، وشبهها بما حذف من أحد المثلين الزائدين فى نحو قولهم: أنتم تفكرون وتطهّرون، وأنت تريد: تتفكرون وتتطهرون.
ونحوه قراءة من قرأ:«وكذلك نجّى المؤمنين»(٢)، ألا تراه يريد: ننجّى، فحذف النون الثانية وإن كانت أصلا لما ذكرنا؟ وقد تقدم القول على ذلك فى سورة النور.
وروى عبد الوهاب عن أبى عمرو:«ونزل الملائكة»، خفيفة (٣).
قال أبو الفتح: هذا غير معروف؛ لأن «نزل» لا يتعدى إلى مفعول به فيبنى هنا للملائكة؛ لأن هذا إنما يجئ على نزلت الملائكة، ونزل الملائكة. ونزلت غير متعدّ كما ترى.
فإن قلت: فقد جاء فعل مما لا يتعدى فعل منه، نحو زكم، ولا يقال زكمه الله. وجنّ، ولا يقال جنّه الله. وإنما يقال: أزكمه الله، وأجنّه الله-فإن هذا شاذ ومحفوظ، والقياس عليه مردود مرذول. فإما أن يكون ذلك لغة طارقة لم تقع إلينا، وإما أن يكون على حذف المضاف، يريد: ونزل نزول الملائكة، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه على ما مضى، فأقام «الملائكة» مقام المصدر الذى كان مضافا إليها، كما فعل ذلك الأعشى فى قوله (٤):
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا
إنما يريد اغتماض ليلة أرمد، فنصب ليلة إذا إنما هو على المصدر لا على الظرف؛ لأنه لم يرد: ألم تغتمض عيناك فى ليلة أرمد، وإنما أراد: ألم تغتمض عيناك من الشّوق
(١) وقراءة أبى معاذ. انظر: (الكشاف ٨٩/ ٣، البحر المحيط ٤٩٤/ ٦، مغنى اللبيب ١٣٢/ ٢، الرازى ٧٤/ ٢٤، شرح الكافية ٨٥/ ١، شرح التصريح ٤٠١/ ٢). (٢) سورة يونس الآية (١٠٣). (٣) وقراءة الخفاف. انظر: (القرطبى ٢٤/ ١٣، البحر المحيط ٤٩٤/ ٦). (٤) من قصيدة يمدح بها الرسول صلّى الله عليه وسلّم. انظر: (ديوانه ١٣٥).