وقبح الشرك معلومان بالعقل، مستقرا في الفطر، فلا وثوق بشيء من قضايا العقل، فإن هذه القضية من أجل القضايا البديهيات، وأوضح ما ركب الله في العقول والفطر، ولهذا يقول سبحانه عقيب تقرير ذلك أفلا تعقلون أفلا تذكرون وينفي العقل عن أهل الشرك، ويخبر عنهم بأنهم يعترفون في النار: أنهم لم يكونوا يسمعون ولا يعقلون، وأنهم خرجوا عن موجب السمع والعقل، وأخبر عنهم أنهم ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١)﴾ [البَقَرَةِ: ١٧١] وأخبر عنهم أن سمعهم وأبصارهم وأفئدتهم لم تغن عنهم شيئا، وهذا إنما يكون في حق من خرج عن موجب العقل الصريح والفطرة الصحيحة، ولو لم يكن في صريح العقل ما يدل على ذلك لم يكن في قوله تعالى " انظروا " و " اعتبروا " و " سيروا في الأرض فانظروا " فائدة، فإنهم يقولون: عقولنا لا تدل على ذلك، وإنما هو مجرد إخبارك، فما هذا النظر والتفكر والاعتبار والسير في الأرض؟ وما هذه الأمثال المضروبة، والأقيسة العقلية والشواهد العيانية؟ أفليس في ذلك أظهر دليل على حسن التوحيد والشكر؟
وقبح الشرك والكفر مستقر في العقول والفطر، معلوم لمن كان له قلب حي، وعقل سليم، وفطرة صحيحة؟ قال تعالى ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧)﴾ [الزُّمَر: ٢٧] وقال تعالى ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣)﴾ [العَنكَبُوت: ٤٣] وقال تعالى ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)﴾ [ق: ٣٧] وقال تعالى ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ