للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخصَّ الله إقامة الوجه؛ لأن إقبال الوجه تبعٌ لإقبال القلب، ويترتَّب على الأمرين سعيُ البدن، ولهذا قال: ﴿حَنِيفًا﴾؛ أي: مُقْبِلاً على الله في ذلك، معرِضًا عمَّا سواه، وهذا الأمر الذي أمرناك به هو ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الرُّوم: ٣٠]، ووضع في عقولهم حسنها، واستقباح غيرها. فإن جميع أحكام الشرع، الظاهرة والباطنة، قد وضع الله في قلوب الخلق كلهم الميلَ إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق، وهذه حقيقة الفِطَر، ومَن خرج عن هذا الأصل، فلِعارِضٍ عرض لفطرته أفسدها؛ كما قال النبي : «كل مولود يُولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه». ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾؛ أي: لا أحد يبدِّل خلق الله، فيجعل المخلوق على غير الوضع الذي وضعه الله ﴿ذَلِكَ﴾ الذي أمرناك به ﴿الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾؛ أي: الطريق المستقيم الموصل إلى الله، وإلى دار كرامته، فإنَّ مَنْ أقام وجهه للدين حنيفًا فإنه سالك الصراط المستقيم في جميع شرائعه وطرقه؛ ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠)[الرُّوم: ٣٠] فلا يتعرَّفون الدين القيم، وإن عرفوه لم يسلكوه" (١).

- قال الشيخ صالح الفوزان: "والنفس بفطرتها إذا تُرِكت كانت مُقِرَّة لله بالإلهية، مُحبَّةً لله، تعبدُه لا تُشرك به شيئًا، ولكن يفسدها وينحرف بها عن ذلك ما يُزيِّنُ لها شياطين الإنس والجن بما يوحي بعضُهم إلى بعضٍ زخرف القول غرورًا، فالتوحيد مركوزٌ في الفِطَر والشرك طارئ ودخيل عليها" (٢).


(١) "تفسير السعدي": (الروم: ٣٠).
(٢) "كتاب التوحيد": ص ٧، وانظر: "مجموعة رسائل في التوحيد"، ص ٢١٧، ط دار العقيدة.

<<  <   >  >>