قال أبو عُمر: أما قوله: "ولا ينفعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ". فالروايةُ فيه بفتح الجيم، لم أعلَمْ عن مالكٍ في ذلك خلافًا، وقد رُويَ بكَسْر الجيم.
فأمّا "الجَدُّ" بفتح الجيم: فهو الحظُّ، وهو الذي يقال له: البَخْتُ. عند العامّة، يقولون: بَخْتُ فلانٍ خيرٌ من بختِ فلان. والعربُ تقول: جَدُّ فلانٍ أحظَى من جَدِّ فلان. ومنه قولهم: اسع بجَدٍّ لا بكَدٍّ. وقال الشاعر:
وبالجَدِّ يسعَى المرءُ لا بالتَّقَلُّبِ (١)
وقال أبو عُبيد (٢): المعنى في هذا الحديث: ولا ينفعُ ذا الغِنَى منك غِناهُ، إنما ينفعُه طاعتُك والعملُ بما يقرِّبُ منك. واحتَجَّ بقولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "قُمْتُ على بابِ الجنّةِ فإذا عامّةُ مَن دخلَها الفقراء، وإذا أصحابُ الجَدِّ محْبوسونَ"(٣). يريد:
= روى له البخاري مقرونًا بغيره، ومسلم في المتابعات كما هو مبيَّنٌ في تحرير التقريب (٦١٨٨)، وأبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف، ثقة. وحديث المسح على الخفّين الذي أشار إليه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيّان عند النسائي (١٧)، وفي الكبرى ١/ ٧٩ (١٦) من طريق إسماعيل بن جعفر المدنيّ عن محمد بن عمرو بن علقمة، به. (١) هذا عجز بين أورده أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال ١/ ١٢٩ دون عزوٍ لقائل معيَّن، وصدره: تقلَّبْتُ إن كلُّ التقلُّبِ نافِعي وأورده المصنِّف في بهجة المجالس ١/ ٣٨، وصدرُه: تطلَّبْتُ حتَّى لم أجِدْ مُتطلَّبًا وآخِر عجزه فيه "بالتطلُّب" بدل: "بالتقلُّب". (٢) في غريب الحديث له ١/ ٢٥٧. (٣) أخرجه أحمد في المسند ٣٦/ ١١٥ - ١١٦ (٢١٧٨٢)، والبخاري (٥١٩٦) و (٦٥٤٧)، ومسلم (٢٧٣٦)، والنسائي في الكبرى ٨/ ٣٠١ (٩٢٢٠) و ١٠/ ٣٧٥ (١١٧٥٦) و ١٠/ ٣٩٩ (١١٨٢٨) من حديث أبي عثمان النَّهديّ عبد الرحمن بن مُل، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه مرفوعًا، وتمامه: "غير أنّ أصحاب النار قد أُمِرَ بهم إلى النار، وقُمْتُ على باب النار، فإذا عامّةُ مَن دخلها النساءُ".