وأمّا قولُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الحِلُّ مَيْتتُهُ". يقالُ: حِلٌّ وحلالٌ، وحِرمٌ وحرامٌ، بمعنًى واحِدٍ، فإنَّ العُلَماءَ اختَلَفُوا في ذلك (١).
فقال مالكٌ: يُؤكَلُ ما في البَحرِ من السَّمكِ والدَّوابِّ، وسائرِ ما في البَحرِ من الحَيَوانِ، وسَواءٌ اصْطِيدَ، أو وُجِد ميِّتًا، طافِيًا وغير طافٍ. قال: وليسَ شيءٌ من ذلك يحتاجُ إلى ذَكاةٍ، لقولِ رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هُو الطَّهُورُ ماؤُهُ، الحِلُّ مَيْتتُهُ".
وكرِهَ مالكٌ خِنْزِير الماءِ، من جِهةِ اسمِهِ، ولم يُحرِّمهُ، وقال: أنتُم تقولُونَ خِنزِيرٌ. وقال ابنُ القاسم: أنا أتَّقِيهِ ولا أراهُ حرامًا.
وقال ابنُ أبي ليلى: لا بأسَ بأكلِ كلِّ شيءٍ يكونُ في البَحْرِ، من الضُّفدُع، والسَّرطانِ (٢) وحيّةِ الماءِ، وغيرِ ذلك.
وهُو قولُ الثَّورِيِّ في رِوايةِ الأشْجَعِيِّ.
ورَوَى عنهُ أبو إسحاقَ الفَزارِيُّ، أَنَّهُ قال: لا يُؤكَلُ من صَيْدِ البَحرِ إلّا السَّمكُ.
وقال أبو حَنِيفةَ وأصحابُهُ: لا يُؤكَلُ السَّمكُ الطّافِي، ويُؤكلُ ما سِواهُ من السَّمَكِ، ولا يُؤكَلُ شيءٌ من حَيوانِ البَحرِ إلّا السَّمكُ.
وقال الأوزاعِيُّ: صَيْدُ البَحرِ كلُّهُ حَلالٌ. ورَواهُ عن مُجاهِدٍ.
وكرِهَ الحسنُ بن حيٍّ أكلَ الطّافِي من السَّمكِ.
وقال اللَّيثُ بنُ سعدٍ: ليسَ بمَيْتةِ البحرِ بأسٌ. قال: وكذلك كَلْبُ الماءِ، وتُرسُ الماءِ (٣). قال: ولا يُؤكَلُ إنسانُ الماءِ، ولا خِنْزِيرُ الماء.
(١) انظر: الأصل لمحمد بن الحسن ٥/ ٣٦٩ (ط. دار ابن حزم)، والأم للشافعي ٢/ ٢٥١، والمدونة لسحنون ١/ ٤٥٢ - ٥٣٦، ومسائل أحمد وإسحاق ٨/ ٣٩٩٨ (٢٨٤٥) و ٩/ ٤٦٧٤ (٣٣٣٠)، والإشراف لابن المنذر ٣/ ٤٦٥، ومختصر اختلاف العلماء ٣/ ٢١٤، وفيها ما بعده. (٢) السرطان: حيوان بحري من القشريات، العشريات الأرجل. انظر: المعجم الوسيط، ص ٤٢٧. (٣) ترس الماء: السلحفاة البحرية. انظر: المدونة ١/ ٤٥٢، والمعجم الوسيط، ص ٨٤.