بينَ مَغْرَزِ عُنُقٍ إلى عَجْبِ ذَنَبٍ (١)، يُوضَعُ منكَ في مِثْلِ ذلك، فتكْثُرُ له رَقَصاتُكَ من غيرِ جَذَلٍ (٢). فلم يَدْرِ ما قال له، فقال: وما ذاكَ؟ قال: شيءٌ لنا فيه أرَبٌ، ولكَ فيه أدَبٌ (٣).
ومن أحْسَنِ ما قيل في مَدْحِ البلاغةِ مِن النَّظْمِ، قولُ حَسَّانَ بنِ ثابتٍ في ابنِ عباسٍ:
صَمُوتٌ إذا ما الصَّمْتُ زَيَّنَ أهلَه ... وفَتَّاقُ أبْكارِ الكَلامِ المُخَتَّمِ
وَعَى ما وَعَى القرآنُ من كلِّ حِكْمَةٍ ... ونيطَت له الآدابُ باللَّحْمِ والدَّمِ (٤)
وقال ثَعْلَبٌ: لا أعْرِفُ في حُسْنِ صِفَةِ الكَلام أحْسَنَ من هذَيْنِ البَيْتَيْن، وهما لعَدِيِّ بنِ الحارثِ التَّيْمِيِّ:
كأن كلامَ الناسِ جُمِّعَ عندَه ... فيأخُذُ من أطْرافِه يتَخَيَّرُ
فلم يَرْضَ إلَّا كلَّ بِكْرٍ ثَقِيلَةٍ ... تكادُ بآنٍ من دَمِ الجوفِ تَقْطُرُ (٥)
(١) قوله: "عَجْب ذَنبٍ" العَجْب: العظم الذي في أسفل الصُّلب عند العَجُزِ، وهو العَسِيب من الدَّوابِّ. اللسان (عجب). (٢) الجَذَل: الفَرَح. اللسان (جذل)، وقد جاءت اللفظة بالدال المهملة في أكثر النسخ، وليس بشيء. (٣) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٢٥/ ٣٧٨ من طريق ابن عيّاش الهمداني، به. (٤) البيتان في "العقد" لابن عبد ربّه ٢/ ٨٨ على أنهما من قول عبد الله بن المبارك في أنس بن مالك، وفيه عنده "سيطت" بدل: "نيطت " (وهكذا وردت في نسخة ج)، والبيت الأوّل في عيون الأخبار لابن قتيبة ٢/ ١٩٢، والصناعتين لأبي هلال العسكري، ص ١٩٢ دون نسبةٍ لقائلٍ معيَّن. (٥) البيتان في حلية المحاضرة للحاتميّ، ص ٧٢ وعزاهما لعديِّ المذكور.