واستدل به على العمل بالمكاتبة وإجرائها مجرى السّماع في الرّواية , ولو لَم تقترن بالإجازة. وعلى الاعتماد على خبر الشّخص الواحد. وللبخاري في آخره أنّ ورّاداً قال: ثمّ وفدت بعد على معاوية , فسمعته يأمر النّاس بذلك.
وزعم بعضهم: أنّ معاوية كان قد سمع الحديث المذكور، وإنّما أراد استثبات المغيرة. (١)
واحتجّ بما في الموطّأ من وجه آخر عن معاوية , أنّه كان يقول على المنبر: أيّها النّاس، إنّه لا مانع لِمَا أعطى الله، ولا معطي لِمَا منع الله، ولا ينفع ذا الجدّ منه الجدّ. من يرد الله به خيراً يفقّهه في الدّين. ثمّ يقول: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذه الأعواد.
قوله:(معاوية) أي ابن أبي سفيان. واسمه صخر , ويكنى أيضاً أبا حنظلة بن حرب بن أمية بن عبد شمس، أسلم قبل الفتح، وأسلم أبواه بعده.
وصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكتب له. وولي إمرةَ دمشق عن عمر بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان سنة تسع عشرة , واستمر عليها بعد ذلك إلى
(١) قال العيني في " عمدة القاري " (٢/ ٤٥): فإن قلتَ إنّ معاوية إذا كان قد سمع هذا من رسول الله. فكيف يسأل عنه؟ قلتُ: أراد أن يستثبت ذلك , وينظر هل رواه غيره أو نسي بعض حروفه أو ما أشبه ذلك. انتهى. قلت: والصواب أنه لا منافاة بينهما. فمعاوية سمع هذا الدعاء من النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر , ولم يسمعه منه بعد الصلاة , ولذلك سأل المغيرة عما يُقال بعد الصلاة. أمَّا ما وقع في بعض الرويات أنَّ معاوية سمع هذا الكلام من النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من الصلاة فهي روايةٌ شاذةٌ. بيّنتها في كتابي زوائد الموطأ. رقم (٧٧٧)