ذهب جمهور الأصوليين إلى أنه يجوز نسخ القرآن بالسنة المتواترة (١) ، وهو اختيار الأمين الشنقيطي (٢) .
وذهب الإمام الشافعي (٣) وأحمد (٤) إلى أنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة، بل لا ينسخ القرآن إلا قرآن مثله، وهذا اختيار ابن قدامة وابن تيمية (٥) .
وهذا الخلاف في الجواز وفي الوقوع.
حجة الجمهور أن الجميع وحي من الله تعالى، فالناسخ والمنسوخ من عند الله، والله هو الناسخ حقيقة، لكنه أظهر النسخ على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - (٦) .
ومثل الجمهور للوقوع بأن آية التحريم بعشر رضعات نُسخت بالسنة (٧) .
وجه الدلالة: أنه قد تبين من مجموع الآيتين أن المبتدئ لفرض الكتاب إنما هو الله ولا يكون ذلك لأحد من خلقه، وإنما جعل لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول من تلقاء نفسه - بتوفيقه سبحانه - فيما لم ينزل به كتابًا، ومعلوم أن موقع سنته - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب إنما هو البيان له والتفسير لمجمله دون النسخ. ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}
(١) انظر: "شرح الكوكب المنير" (٣/٥٦٣) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (١/٢٢٥) . (٢) انظر: "أضواء البيان" (٣/٣٦٧) ، و"مذكرة الشنقيطي" (٨٥) . (٣) انظر: "الرسالة" (١٠٦) . (٤) انظر: "العُدة" لأبي يعلى" (٣/٧٨٨) ، و"روضة الناظر" (١/٢٢٤) ، و"مجموع الفتاوى" (٢٠/٣٩٧ - ٣٩٩) . (٥) انظر: "روضة الناظر" (١/٢٢٥) ، و"مجموع الفتاوى" (١٧/١٩٥، ١٩٧، ١٩/٢٠٢) ، وربما يفهم من كلام ابن القيم موافقة هذا المذهب. انظر: "إعلام الموقعين" (٢/٣٠٦، ٣٠٨) . (٦) انظر: "أضواء البيان" (٣/٣٦٧) . (٧) ورد ذلك فيما روته عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن فيما يقرأ من القرآن) . رواه مسلم (١٠/٢٩) . (٨) انظر: "الرسالة" (١٠٦ - ١٠٩) .