قولاً فيمسك - صلى الله عليه وسلم - عن الإنكار ويسكت (١) ، كإقراره - صلى الله عليه وسلم - إنشاد الشعر المباح (٢) .
والأصل في حجية إقراره - صلى الله عليه وسلم - (٣) هو أنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة (٤) ، إذ سكوته يدل على جواز ذلك الفعل أو القول، بخلاف سكوت غيره، لذلك بوب الإمام البخاري في صحيحه بقوله:"باب من رأى ترك النكير من النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة لا من غير الرسول"(٥) .
وكذلك فإن من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - أن وجوب إنكار المنكر لا يسقط عنه بالخوف على نفسه لقوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة: ٦٧](٦) .
وإنما يكون سكوته - صلى الله عليه وسلم - وعدم إنكاره حجة فيدل على الجواز بشرطين (٧) :
أ- أن يعلم - صلى الله عليه وسلم - بوقوع الفعل أو القول، فإما أن يقع ذلك بحضرته، أو في غيبته لكن ينقل إليه، أو في زمنه وهو عالم به لانتشاره انتشارًا يبعد معه ألا يعلمه - صلى الله عليه وسلم -.
ب- ألا يكون الفعل الذي سكت عنه - صلى الله عليه وسلم - صادرًا من كافر، لأن إنكاره - صلى الله عليه وسلم - لما يفعله الكفار معلوم ضرورة، فالعبرة في فعل أحد المسلمين.
خامسًا: حجية تركه - صلى الله عليه وسلم -:
والمقصود بالترك: تركه - صلى الله عليه وسلم - فعل أمر من الأمور (٨) .
وهو نوعان بالنسبة لنقل الصحابة رضي الله عنهم له (٩) :
١- التصريح بأنه - صلى الله عليه وسلم - ترك كذا وكذا ولم يفعله، كقول الصحابي في صلاة العيد:"إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العيد بلا أذان ولا إقامة"(١٠) .
(١) انظر: "قواعد الأصول" (٣٩) ، و"شرح الكوكب المنير" (٢/١٦٦) . (٢) انظر: "صحيح البخاري" (١/٥٤٨) برقم (٤٥٣) . (٣) انظر: "شرح الكوكب المنير" (٢/١٩٤ - ١٩٦) . (٤) انظر هذه المسألة فيما يأتي (ص٣٩١) من هذا الكتاب. (٥) "صحيح البخاري" (١٣/٣٢٣) . (٦) انظر: "تفسير ابن كثير" (٢/٨١) . (٧) انظر: "المسودة" (٢٩٨) ، و"قواعد الأصول" (٣٩) ، و"شرح الكوكب المنير" (٢/١٩٤) . (٨) انظر: "شرح الكوكب المنير" (٢/١٦٥) . (٩) انظر: "إعلام الموقعين" (٢/٣٨٩ - ٣٩١) . (١٠) أخرجه أبو داود في سننه (١/٢٩٨) برقم (١١٤٧) ، وصححه النووي. انظر: "المجموع" (٥/١٣) ، وأصل الحديث في الصحيحين.