الأصل الرابع: التأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أن تفعل كما فعل لأجل أنه فعل (١) .
فالتأسي إذن لا بد فيه من أمرين:
١- المتابعة في صورة العمل.
٢- المتابعة في القصد.
فإذا طاف - صلى الله عليه وسلم - حول الكعبة واستلم الحجر وصلى خلف المقام، كان التأسي والاقتداء به أن يفعل هذا الفعل وأن يقصد به العبادة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك وقصد به العبادة.
أما ما فعله - صلى الله عليه وسلم - بحكم الاتفاق ولم يقصده مثل أن ينزل بمكان ويصلي فيه؛ لكونه نزله لا قصدًا منه - صلى الله عليه وسلم - لتخصيصه بالصلاة والنزول فيه، فإن تخصيص ذلك المكان بالصلاة لا يكون تأسيًا به - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لم يقصد ذلك المكان بالعبادة.
قال ابن تيمية: "وهذا هو الأصل، فإن المتابعة في السنة أبلغ من المتابعة في صورة العمل، ولهذا لما اشتبه على كثير من العلماء جلسة الاستراحة: هل فعلها استحبابًا أو لحاجة عارضة؟ تنازعوا فيها، وكذلك نزوله بالمحُصب (٢) عند الخروج من منى لما اشتبه: هل فعله لأنه أسمح لخروجه أو لكونه سنة؟ تنازعوا في ذلك (٣) .
ومن هذا وضع ابن عمر (٤) يده على مقعد النبي - صلى الله عليه وسلم - (٥) .....فإن هذا لما لم يكن مما يفعله سائر الصحابة ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرعه لأمته لم يمكن أن يقال: هذا
(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (١/٢٨٠، ١٠/٤٠٩) ، و"شرح الكوكب المنير" (٢/١٩٦) . (٢) المحصب: موضع بمكة على طريق منى ويسمى البطحاء. انظر: "المصباح المنير" (١٣٨) . (٣) انظر: "صحيح البخاري (٣/٤١٩) برقم (١٥٦٠) ، و (٣/٥٩١) برقم (١٧٦٥، ١٧٦٦) . (٤) هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي الصحابي الزاهد، شهد الخندق وما بعدها من المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يشهد ما قبلها لصغر سنه، كان من الصحابة المكثرين من رواية الحديث، وهو أحد العبادلة الأربعة: ابن عباس وابن الزبير وابن عمرو بن العاص، توفي سنة (٧٣هـ) . انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (١/٢٧٨) ، و"شذرات الذهب" (١/٨١) . (٥) انظر: "صحيح البخاري" (١/٥٦٧) برقم (٤٨٣) فما بعد.