قال أبو داود (١): وحدَّثني أحمدُ بنُ صالح، قال: حدَّثنا ابنُ وَهْب، قال: أخبرني عَمْرُو بنُ الحارث، عن ابنِ شهاب، عن أبي سَلَمة، عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"الماءُ مِن الماء". وكان أبو سَلَمة يَفعلُ ذلك.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، من جهةِ النقل ثابتٌ، ولكنه يحتملُ التأويل؛ لأنَّ قوله:"الماءُ مِن الماء". ليس فيه ما يَدفعُ: الماءُ من التقاءِ الختانَين؛ لأنَّ مَن أوجَب الغُسلَ من التقاءِ الختانَين يقول: الماءُ من الماء، ومن التقاءِ الختانَين أيضًا، زيادةُ حكم.
وقد قيل: معنى "الماءُ من الماء": في الاحتلام، لا في اليَقظة. وهذا مجتمَع عليه فيمَن رأى أنه يُجامعُ ولم يُنزِل، أنه لا غُسْلَ عليه. وهذا لعَمْري تأويلٌ محتمَلٌ في:"الماءُ مِن الماء" لولا أنّ بعضَهم يَروي حديثَ أُبيِّ بنِ كَعْبٍ وحديثَ أبي سعيدٍ الخُدريِّ بغيرِ هذا اللفظ، وذلك قوله:"إذا جامَع أحدُكم فأكْسَل أو أقْحَط فلا يَغتَسِلْ، ولكن يتوَضَّأ".
ذكَر عبدُ الرزاق (٢)، عن الثوريِّ، عن الأعمش، عن ذَكْوان، عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أُعْجِلَ أحدُكم أو أقْحَط فلا يَغتَسْلْ".
(١) في سننه (٢١٧)، ومن طريقه البيهقي ١/ ١٦٧ (٨١٩). وأخرجه ابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه (٥) من طريق أحمد بن صالح، به. وهو عند مسلم (٣٤٣) (٨١)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ١/ ٥٤ (٣١٢)، وابن حبّان في صحيحه ٣/ ٤٤٣ (١١٦٨) من طرق عن عبد الله بن وهب المصري، به. وقوله في آخره: "وكان أبو سلمة - يعني ابن عبد الرحمن بن عوف الزُّهري - يفعل ذلك" هو من قول ابن شهاب الزُّهري كما هو مصرّحٌ به عند ابن شاهين، ولم يقع هذا القول عند الآخرين. (٢) في المصنَّف ١/ ٢٥١ (٩٦٣). وعنه أحمد في المسند ١٨/ ٣٩٢ (١١٨٩٤)، وهو حديث صحيح، رجال إسناده ثقات. الأعمش: هو سليمان بن مهران. وذكوان: هو أبو صالح السمّان. وقوله: "أُعجِلَ" أي: عن الإنزال. وقوله: "أُقحِطَ" أي: حُبِسَ عن الإنزال. والجمهور على أنه منسوخ بحديث "إذا التقى الختانان" وهو حديث هذا الباب.