قال: أخبرنا شُعيبُ بنُ أبي حمزة، عن الزُّهريِّ، قال: أخبرني عقبةُ بنُ سُويدٍ الأنصاريُّ، أنَّ أباه أخبَره، أنهم قفَلوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوةِ تبوك، فلمّا قَدِمنا المدينةَ بدا لنا أُحُدٌ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا جبلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه"(١).
قال أبو عُمر: ذهَب جماعة من أهلِ العلم إلى حَمْلِ هذا القول على الحقيقة، وقالوا: جائزٌ أن يُحبَّهم الجبلُ كما يُحبُّونه. وعلى هذا حملوا كلَّ ما جاء في القرآن وفي الحديث من مثلِ هذا، نحوَ قوله عزَّ وجلَّ:{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ}[الدخان: ٢٩]. و:{قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت: ١١]. و:{يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ}[سبأ: ١٠]، أي: سبِّحي معه، و:{جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}[الكهف: ٧٧]. ومثلُه في القرآنِ كثير.
وأما الحديثُ، ففيه ما لا يُحصى من مثل هذا؛ نحوَ ما رُوِي أن البقاعَ لتَتزيَّنُ للمُصلِّي، وأن البقاعَ ليُنادي بعضُها بعضًا: هل مرَّ بك اليومَ ذاكرٌ لله؟ (٢).
(١) أخرجه الطبراني في الكبير ٧/ ٩٠ (٦٤٦٩)، وفي مسند الشاميِّين ٤/ ٢٥٠ (٣٢٠٦) من طريق أبي زرعة الدمشقي، به. وأخرجه أحمد في المسند ٢٤/ ٤٢٦ - ٤٢٧ (١٥٦٥٩)، والبخاري في التاريخ الكبير ٤/ ١٤١، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير، السفر الثاني: ١/ ٢٧٦ (٩٧٨)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني ٤/ ١٤٣ (٢١٢٣)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ ١/ ٣٨٤ من طريق أبي اليمان الحكم بن نافع الحمصي، به. وهو حديث صحيح، رجاله ثقات غير عقبة بن سويد، ويقال فيه عتبة بن سويد، قال عنه الحسيني في الإكمال، ص ٢٩٥ (٦٠٦): "روى عن أبيه وعنه الزُّهري، مجهول"، وتعقّبه الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة ٢/ ١٧ - ١٨ (٧٤٥) فقال: "قد روى عنه أيضًا ربيعة الرأي وعبد العزيز، ذكره ابن أبي حاتم بالشك، وليس هو في المسند إلّا عقبة بغير شك، ... ، وصحّح ابن عبد البرّ حديثه"، قلنا: لم يذكر البخاري وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل لابنه ٦/ ٣١١ (١٧٣٢) في ترجمتهما له جرحًا ولا تعديلًا. (٢) هناك خلاف مطّرد في نسبة الإرادة والفعل إلى ما لا يعقل، وفي هذا يقول ابن قتيبة الدّينوري في تأويل مشكل القرآن، ص ٨٦ على الآية المذكورة من سورة الكهف: "ولو قلنا للمنكر لقوله:=