فإن قيلَ: كيف تكونُ قِسْمةُ (١) الصَّلاة عِبارةً عن السُّورةِ، وهُو يقولُ:"قَسَمتُ الصَّلاةَ". ولم يقُل: قسمتُ السُّورةَ؟
قيلَ: معلُومٌ أنَّ السُّورةَ: القِراءةُ، وقد يُعبَّرُ عن الصَّلاةِ بالقِراءةِ، كما قال عزَّ وجلَّ:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}[الإسراء: ٧٨]. أي: قِراءةَ صلاةِ الفجرِ.
وقد ذكرنا معنى هذه الآيةَ، في بابِ أبي الزِّنادِ، من هذا الكِتابِ، والحمدُ للَّه.
ومن حُجَّةِ من قال: إنَّ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ليسَتْ آيةً من فاتحةِ الكِتابِ، ولا من غيرِها، إلّا في سُورةِ النَّملِ، قولُ اللَّه عزَّ وجلَّ:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء: ٨٢].
والاختِلافُ موجُودٌ في {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} هاهُنا (٢)، فعَلِمنا أنَّها ليسَتْ آيةً من كِتابِ اللَّه؛ لأنَّ ما كان من كِتابِ اللَّه، فقد نَفَى عنهُ الاختِلافَ بقولِهِ:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}. وقولِهِ:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩].
وأمّا من جِهَةِ الأثرِ، فقد ثبتَ عن النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعن أبي بكرٍ، وعُمرَ، وعُثمانَ: أنَّهُم كانوا يَفْتتِحُون القِراءةَ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(٣). وقالت عائشةُ: كان رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَفْتتِحُ الصلاةَ بالتَّكبِيرِ والقِراءةِ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. مع حدِيثِ أبي هريرةَ في هذا البابِ.
حدَّثنا عبدُ الوارِثِ بن سفيانَ، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبَغَ، قال: حدَّثنا مُضرُ بن محمدٍ، قال: حدَّثنا يحيى بن مَعِينٍ، قال: حدَّثنا ابن أبي عدِيٍّ، عن حُمَيدٍ،
(١) في م: "قسمت". (٢) هذه الكلمة لم ترد في الأصل. (٣) سيأتي بإسناده لاحقًا، وانظر تخريجه في موضعه. وكذا ما بعده.