ممَّن هذه الرِّيحُ؟ فقال كثِيرٌ: مِنِّي، لبَّدتُ رأسِي، وأردتُ أن أحلِقَ. قال عُمرُ: فاذهَبْ إلى شَرَبةٍ فادلُك رأسكَ حتَّى تُنقِيهُ. ففعل كثِيرُ بن الصَّلتِ.
قال أبو عُمر: الشَّرَبةُ، مُسْتَنقعُ الماءِ عِندَ أُصُولِ الشَّجرِ، حوضٌ يكونُ مِقدار ريِّها.
وقال ابنُ وَهْبٍ: هُو الحوضُ حولَ النَّخلةِ، يجتمِعُ فيها الماءُ.
وأنشدَ أهلُ اللُّغةِ في هذا المعنى، من شاهِدِ الشِّعرِ قول زُهَيرٍ (١):
يَنْهضَنْ من شَرَباتٍ ماؤُها طَحِلٌ ... على الجُذُوع يخَفْنَ الغمَّ والغَرَقا
وهذا ممّا عِيبَ على زُهيرٍ، وقالوا: أخطأ، لأنَّ خُرُوج الضَّفادِع من الماءِ ليسَ مخَافةَ الغرقِ، وإنَّما ذلك لأنَّهُنَّ يبِضْنَ على شُطُوطِ الماءِ.
ومن هذا قولُ كُثيِّرِ عزَّةَ (٢):
من الغُلبِ (٣) من عُضْدانِ هامةَ شُرِّبَت ... لسَقْيٍ وجمَّت للنَّواضِح بيرُها
فمعنى قولِه: شُرِّبت: أي جُعِلت لها شَرَبٌ، والعَضِدُ، والعُضُدُ، والعُضدانِ، قالوا: بناتُ النَّخلِ، والشَّرباتُ: جمعُ شَرَبةٍ، والشُّربُ: جمعُ شُربٍ.
وذكر أبو بكر بن أبي شيبةَ، قال (٤): حدَّثنا وكِيعٌ، قال: حدَّثنا محمدُ بن قَيْسٍ، عن بُشَيْر بن يَسارٍ الأنصارِيِّ، قال: لمّا أحْرَمُوا، وجدَ عُمرُ رِيح طِيبٍ، فقال:
(١) ديوانه، ص ٤٠. (٢) ديوانه، ص ٣١٣. (٣) في د ٢، م: "القلب"، والغلب: جمع أغلب، وهو الغليظ العنق، وهم يصفون السادة بغلظ الرقبة. انظر: النهاية لابن الأثير ٤/ ٣٧٧. (٤) في المصنَّف (١٣٦٨٦).