وأمَّا قولُه:"وأشْعِرْنَها إيَّاه". فإنَّه أرادَ: اجْعَلنَه يلي جسَدَها قبلَ سائرِ أكْفَانِها. ومنه قولُ عائشةَ: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يُصَلِّي في شُعُرِنا ولا لُحُفِنَا (١). تعْني ما يلي أجْسَادَنا مِن الثِّيابِ ونحن حُيَّضٌ. ومنه الحدِيثُ:"الأنصارُ شِعَارٌ والنَّاسُ دِثَارٌ"(٢). فالشِّعارُ هاهُنا أرادَ به ما قَرُبَ مِن القَلْبِ، والدِّثارُ ما فوقَ الشِّعارِ.
وقال ابنُ وَهْبٍ في قولِه:"أشْعِرْنَها إيَّاه". إنَّه يُجْعَلُ الإزَارُ شِبْهَ المِئْزَرِ، ويُفْضَى به إلى جِلْدِها.
= عليه الإزار من بدن الإنسان، وهو الخصر، فيسمى الإزار حَقوًا، وذلك من مذاهب العرب في تسمية الشيء إذا كان مجاورًا له وكان منه بسببٍ، قال أبو جُنْدب بن مُرّة الهُذَلي: إني امرؤٌ أبكي على جارِيَّهْ ... أبكي على الكَعْبي والكَعْبيّهْ ولو هلكتُ بكى عليَّهْ ... كان مكان الثَّوْب من حقْويّهْ ومنه الحديث أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لجابر بن عبد اللَّه: "يا جابر إذا كان الثوب واسعًا فخالف بين طرفين، وإذا كانَ ضيقًا فاشدده على حقوك"، يعني: في الصلاة. وجمع الحَقْو حُقي وحِقاء وأحْق مثل: دَلْوٍ ودُلِي ودلاء وادْل". قلنا: والبيتان في الأغاني ٢١/ ٢٢٥، والإيضاح في شواهد الإيضاح ١/ ٢١٩، والتمام في تفسير أشعار هذيل، ص ١٢٥ وقالهما حينما قتل جار له من خزاعة مع امرأته في قصة معروفة ذكرها صاحب الأغاني والبيت الثاني في جميع الموارد: ولو هلكتُ بكيا عليَّهْ ... كانا مكان الثَّوْب من حقْويّهْ وأما حديث جابر فتقدم ذكره وتخريجه. (١) أخرجه أبو داود (٣٦٧) و (٦٤٥)، والترمذي (٦٠٠)، والنسائي في المجتبى (٥٣٦٦)، وفي الكبرى ٨/ ٤٦٦ (٩٧٢٢) و (٩٧٢٣) من طرق عن أشعث بن عبد الملك الحُمْرانيّ، عن محمد بن سيرين، عن عبد اللَّه بن شقيق العُقيلي، عنها رضي اللَّه عنها، لفظ أبي داود: "لا يصلي في شُعُرنا أو لُحُفنا"، ولفظ الترمذي: "لا يصلي في لحف نسائه"، ولفظ النسائي: "لا يصلي في لُحُفنا". ورجال إسناده ثقات، وقال الترمذي: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيح". (٢) أخرجه أحمد في المسند ٢٦/ ٣٩٢ (١٦٤٧٠)، والبخاري (٤٢٣٠)، ومسلم (١٠٦١) من حديث عبّاد بن تميم، عن عبد اللَّه بن زيد بن عاصم رضي اللَّه عنه.