وقد ذكَرنا معنى هذا الحديثِ فيما سلَفَ، من حديثِ ابنِ شِهابٍ.
وجُملةُ مذهبِ مالكٍ عِندَ أصحابه، وتحصِيلُهُ عِندَهُم: أنَّ الأذان سُنَّةٌ مُؤَكَّدةٌ، واجِبةٌ على الكِفايةِ، وليس بفرضٍ (١). وهُو قولُ (٢) أبي حنِيفةَ (٣).
واختلَفَ أصحابُ الشّافِعِيِّ، فمنهُم من قال: هُو فرضٌ على الكِفايةِ. ومنهُم من قال: هُو سُنَّةٌ مُؤَكَّدةٌ على الكِفايةِ.
وأمّا قولُهُ في هذا الحديثِ:"أدبرَ الشَّيطانُ ... " إلى آخِرِ الحديثِ. فإنَّ هذا الحديث عِندِي يخرجُ في التَّفسِيرِ المُسندِ، في قولِ الله عزَّ وجلَّ: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس: ٤، ٥]. لم يختلِف أهلُ التَّفسِيرِ وأهلُ اللُّغةِ، أنَّ الوَسْواسَ، الشَّيطانُ يُوسوِسُ في صُدُورِ النّاسِ وقُلُوبهم: أي يُلقِي في قُلُوبهمُ الرَّيْب، ويُحرِّكُ خَواطِر الشُّكُوكِ، ويُذكِّرُ من أمرِ الدُّنيا بما يَشْغلُ عن ذِكرِ الله، وأصلُ الوَسْواسِ في اللّغةِ، صوتُ حَرَكةِ الحُليِّ، وقولُهُ:{الْخَنَّاسِ} لأنَّهُ يخنِسُ عِندَ ذِكرِ العبدِ للّه، ومعنى يخنِسُ: أي يرجِعُ ناكِصًا.
ذكَرَ مَعمرٌ، عن قَتادةَ، قال:{الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} قال: هُو الشَّيطانُ إذا ذكَرَ اللهَ العبدُ خنَسَ (٤).
وذكرَ حجّاجٌ، عنِ ابنِ جُرَيج، عن عُثمان بنِ عَطاءٍ، عن عِكْرِمةَ، قال: الوَسْواسُ محلُّهُ الفُؤادُ، فُؤادُ الإنسانِ، وفي عَيْنيهِ، وذَكَرهِ، ومحلُّهِ من المرأةِ في عَيْنيها إذا أقبلت، وفي فرْجِها ودُبُرِها إذا أدبرت، فهذه مجالِسُهُ منهُما (٥).
(١) انظر: الرسالة لابن أبي زيد القيرواني، ص ٢٥. (٢) زاد هنا في د ٢: "أصحاب". (٣) انظر: المبسوط للسرخسي ١/ ١٣١. (٤) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٤١٠، والطبري في تفسيره ٢٤/ ٧١٠، من طريق معمر، به. (٥) في ي ١، د ٢، ت: "منها".