قال ابنُ وَهْبٍ: ومنهُ: لا يَلِي (١) أحدُكُمُ استِماعَ ما يقولُ فيه أخُوهُ.
وأصلُ هذه اللَّفظةِ في اللُّغةِ، من قولِكَ: حسَّ الثَّوبَ، أي: أدرَكَهُ بحسِّهِ وجسِّهِ، من المحسَّةِ والمجسَّةِ، وذلك حَرامٌ كالغِيبةِ، أو أشدَّ من الغِيبةِ، قال اللَّهُ عزَّ وجلَّ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}[الحجرات: ١٢] فالقُرآنُ والسُّنَّةُ ورَدا جميعًا بأحْكام هذا المعنى، وهُو قدِ استُسهِلَ في زَمانِنا، فإنّا للَّه وإنّا إليه راجِعُونَ على ما حلَّ بنا.
حدَّثنا عبدُ الوارثِ بن سُفيانَ، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حدَّثنا محمدُ بن عبدِ السَّلام، قال: حدَّثنا محمدُ بن المُثنَّى. وحدَّثنا عبدُ اللَّه بن محمدٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن بكرٍ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال (٢): حدَّثنا أبو بكر بن أبي شَيْبةَ (٣). قالا: حدَّثنا أبو مُعاوِيةَ، عنِ الأعْمَشِ عن زَيْدٍ، يعني: ابنَ وَهْبٍ، قال: أُتِي ابنُ مَسْعُودٍ، فقيلَ لهُ: هذا فُلانٌ تقطُرُ لحيتُهُ خمرًا. فقال عبدُ اللَّه: إنّا قد نُهِينا عنِ التَّجسُّسِ، ولكن إن يَظهَرْ (٤) لنا شيءٌ نأخُذْه به.
ورَوَى ابنُ أبي نَجِيح، عن مُجاهِدٍ، في قولِهِ تعالى:{وَلَا تَجَسَّسُوا} قال: خُذُوا ما ظهَرَ، ودَعُوا (٥) ما سَتَر اللَّه (٦).
وأمّا قولُهُ:"ولا تَنافسُوا". فالمُرادُ به التَّنافُسُ في الدُّنيا، ومَعناهُ: طَلَبُ
(١) في د ٢: "يسلني". (٢) في سننه (٤٨٩٠). (٣) في مصنَّفه (٢٧١٠٠). وأخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (١٨٩٤٥)، والبزار في مسنده ٥/ ١٧٤ (١٧٦٩)، والطبراني في الكبير ٩/ ٤٠٩ (٩٧٤١)، والبيهقي في الكبرى ٨/ ٣٣٤، من طريق الأعمش، به. وانظر: المسند الجامع ١٢/ ٥٧ (٩٢٠٣). (٤) في د ٢: "ظهر". (٥) قوله: "ما ظهر ودعوا" سقط من الأصل. (٦) أخرجه الطبري في تفسيره ٢٢/ ٣٠٤، من طريق ابن أبي نجيح، به.