وقد قيلَ (١): إنَّ مَنْعَ الحائضِ من الطَّوافِ، إنَّما كان من أجلِ أنَّهُ في المَسْجِدِ، والحائضُ لا تَدْخُلُ في المسجدِ؛ لأنَّهُ مَوْضِعُ الصَّلاةِ.
والطَّوافُ (٢) الذي أشار إليه رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديثِ بقولِهِ:"ألم تَكُن طافَتْ؟ " هُو طَوافُ الإفاضةِ، وذلك ظاهِرٌ في حديثِ مالك (٣)، عن عبدِ اللَّه بن أبي بكرٍ، عن أبيه، عن أبي سَلَمةَ، عن أُمِّ سُليم: أنَّها حاضَتْ، أو ولدَتْ بعدَ ما أفاضَتْ.
وفي حديثِ ابنِ شهاب، عن أبي سَلَمةَ وعُروةَ، عن عائشةَ، قالت: حاضَتْ صفيّةُ بعدَ ما أفاضَتْ (٤).
وفي حديثِ الأعْرَج، عن أبي سَلَمةَ، عن عائشةَ، قالت: خَرَجنا حُجّاجًا مع رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأفَضْنا يومَ النَّحرِ، وحاضَتْ صفيّةُ (٥).
وفي حديثِ مالكٍ (٦)، عن عبدِ الرَّحمنِ بن القاسم، عن أبيه، عن عائشةَ: أنَّ صفيّةَ بنت حُييٍّ حاضَتْ، فذكرُوا ذلك لرسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال:"أحابِسَتُنا هِيَ؟ " فقيل: إنَّها قد أفاضَتْ.
فهذه الآثارُ كلُّها قد أوضحَتْ أنَّ الطَّوافَ الحابِس للحائضِ الذي لا بُدَّ منهُ، هُو طوافُ الإفاضةِ.
(١) من قوله: "إلّا أن طائفة. . . " إلى هنا، جاء بدله في ي ١: "وإنما ذلك -واللَّه أعلم- لما روي عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "الطواف بالبيت صلاة. فمعلوم أنّ الحائض لا تصلّي وقد قيل". (٢) من هنا اختلفت عبارة ي ١، وهي مختصرة جدًّا، ولم نر في حاجة إلى تتبّعها لإيماننا بأن المؤلف قد أعاد الصياغة، كما يظهر في النسخ الأخرى. (٣) أخرجه في الموطأ ١/ ٥٥٢ (١٢٣٦). (٤) سيأتي بإسناده في شرح الحديث السابع عشر لعبد اللَّه بن أبي بكر، وهو في الموطأ ١/ ٥٥٢ (١٢٣٦). وانظر تخريجه هناك. (٥) سيأتي بإسناده أيضًا في شرح الحديث المذكور قبله، وانظر تخريجه هناك. (٦) أخرجه في الموطأ ١/ ٥٥٠ (١٢٣١).