أبي مريمَ، قال: حدَّثنا نُعَيمُ بن حمّادٍ، قال: قلتُ لسُفيانَ بن عُيينةَ: أرأيتَ الرَّجُلَ يَعْتذِرُ إلى أخيهِ (١) من الشَّيءِ، عَسَى أن يكونَ قد فعلَهُ، ويُحرِّفُ فيه القولَ ليُرضيهُ، أعليه فيه حرجٌ؟ قال: لا، ألم تسمعْ قولَهُ:"ليسَ بكاذِبٍ من قال خيرًا، أو أصلَحَ بين النّاسِ؟ " وقد قال اللَّه عزَّ وجلَّ: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} الآيةَ [النساء: ١١٤]. فإصلاحُهُ فيما بينهُ وبينَ النّاسِ أفضَلُ، إذا فعلَ ذلك للَّه، وكَراهةَ أذَى المُسلِمينَ، وهُو أولى به من أن يتعرَّضَ لعداوةِ صاحِبِهِ وبُغْضتِهِ، فإنَّ البُغْضةَ حالِقةُ الدِّينِ. قلتُ: أليسَ من قال ما لم يَكُن، فقد كذبَ؟ قال: لا، إنَّما الكاذِبُ: الآثِمُ، فأمّا المأجُورُ فلا، ألم تسمَعْ إلى قولِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ:{إِنِّي سَقِيمٌ}[الصافات: ٨٩]. و {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}[الأنبياء: ٦٣]؟ وقال يوسُفُ لإخوتِهِ:{إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}[يوسف: ٧٠] وما سَرَقُوا، وما أثِمَ يوسُفُ؛ لأنَّهُ لم يُرِد إلّا خيرًا، قال اللَّهُ عزَّ وجلَّ:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}[يوسف: ٧٦]، وقال الملكانِ لداودَ عليه السَّلامُ:{خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ}[ص: ٢٢] ولم يكونا خَصمينِ، وإنَّما أرادا الخيرَ، والمعنَى الحسَنَ، وفي حديثِ (٢) هِجْرةِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مع أبي بكرٍ إلى المدينةِ: أنَّهُما لَقيا سُراقةَ بن مالكِ بن جُعشُم، وكان النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أرادَ من أبي بكرٍ أن يكونَ المُقدَّم على دابَّتِهِ، ويكونَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خلفهُ، فلمّا لقيا سُراقةَ، قال لأبي بكرٍ: منِ الرَّجُلُ؟ قال: باغٍ، قال: فمنِ الذي خلفكَ؟ قال: هادٍ. قال: أحسَسْتَ محمدًا؟ قال: هُو ورائي.
حدَّثنا عبدُ اللَّه بن محمدِ بن يُوسُفَ وسعيدُ بن سيِّدِ بن سعيدٍ، قالا: حدَّثنا عبدُ اللَّه بن محمدِ بن عليٍّ، قال: حدَّثنا أبو عَمرو بن أبي زَيْدٍ، قال: حدَّثنا أبو إسحاقَ
(١) هذه الكلمة سقطت من م. (٢) انظر: مصنَّف ابن أبي شيبة (٣٧٧٦٧).