قال الثَّوريُّ (١): وبلَغَنا أنَّ رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- صلَّى بذي قَرَدٍ (٢) فصفَّ خلفَهُ صفًّا، وقامَ صفٌّ بإزاءِ العَدُوِّ، فصلَّى بالذينَ خلفَهُ ركعةً، ثُمَّ انصَرفُوا، فقامُوا مقامَ أصْحابِهم، وجاءَ الآخرُونَ فصلَّى بهم رَكْعةً، ثُمَّ سلَّمَ عليهم، فكانت للنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَكْعتانِ، ولكلِّ صفٍّ رَكْعةٌ.
قال سُفيانُ: قد جاءَ هذا، وهذا، وأيَّ ذلك فعلتَ، رَجَوتُ أن يُجزِئَ.
قال أبو عُمر: فخيَّر الثَّوريُّ في صَلاةِ الخوفِ على ثلاثةِ أوجُهٍ:
أحدُها: حديثُ ابن مسعُودٍ الذي ذهَبَ إليه أبو حنيفةَ.
والثّاني: حديثُ أبي عيّاشٍ الزُّرَقيِّ. وإليه ذهَبَ ابنُ أبي ليلى جُملةً، وذهَبَ إليه أبو حنيفةَ وأصحابُهُ، إذا كان العدُوُّ في القِبْلةِ.
والثّالثُ: الوجهُ الذي بَلَغهُ أنَّ رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- صلَّى بذي قَرَدٍ. وهُو وإن كان أرسلَهُ في "جامِعِهِ" فإنَّهُ محفُوظٌ من حديثهِ، عن الأشْعَثِ بن سُلَيم، عن الأسودِ بن هِلالٍ، عن ثَعْلبةَ بن زَهْدَم (٣): أنَّهُم كانوا مع سَعيدِ بن العاصِ بطَبَرِستانَ، فسأل سعيدٌ حُذيفةَ عن صَلاةِ الخَوْفِ، فقال حُذَيفةُ: شهِدتُ رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- صَلّاها بهؤُلاءِ رَكْعةً، وبههؤُلاءِ رَكْعةً، ولم يَقْضُوا (٤).
ورَوَى الثَّوريُّ أيضًا عن أبي بكر بن أبي الجَهْم، عن عُبيدِ الله بن عبدِ الله بن
(١) انظر: سنن أبي داود بإثر رقم (١٢٣٦). (٢) ذو قَرَد: ماء على ليلتين من المدينة، بينها وبين خيبر. انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي ٤/ ٣٢١. (٣) في م: "بن بزهدم". وهو ثعلبة بن زهدم التميمي اليربوعي الحنظلي. انظر: تهذيب الكمال ٤/ ٣٩١. (٤) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (٤٢٤٩)، وأحمد في مسنده ٣٨/ ٣٠٢، ٤٠١ (٢٣٢٦٨، ٢٣٣٨٩)، وأبو داود (١٢٤٦)، والبزار في مسنده ٧/ ٣٧٠ (٢٩٦٨)، والنسائي في المجتبى ٣/ ١٦٨، وفي الكبرى ٢/ ٣٦٥ (١٩٣٠)، وابن خزيمة (١٣٤٣)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ١/ ٣١٠، وابن حبان ٤/ ٣٠٢ (١٤٥٢)، والحاكم في المستدرك ١/ ٣٣٥، والبيهقي في الكبرى ٣/ ٢٦١، من طريق سفيان الثوري، به. وانظر: المسند الجامع ٥/ ٩٩ - ١٠٠ (٣٢٩٧).