ولم يذكُر القَعْنبيُّ أيضًا في هذا الحديثِ قولَهُ: من أجلِ أنَّ رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أهلَّ بعُمرةٍ يومَ الحُديبيةِ. وذكرهُ يحيى، وابنُ بُكير (١)، وابنُ القاسم، وغيرُهُم.
والدَّليلُ على أنَّ ذِكرَ الشّاةِ في هذا الحديثِ غلطٌ، أنَّ ابنَ عُمرَ كان مذهبُهُ فيما اسْتَيسرَ من الهدي: بقَرةً دُون بَقَرةٍ، أو بَدَنةً دُون بَدَنةٍ.
وذكرَ عبدُ الرَّزّاقِ، عن عُبيدِ الله بن عُمرَ، عن نافع، عن ابن عُمرَ قال:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[البقرة: ١٩٦]: بَدَنةٌ دُون بدنةٍ، وبَقَرةٌ دُون بَقَرة (٢).
قال: وأخبرنا مالكٌ، عن نافع، عن ابن عُمرَ، قال: ما اسْتيسَر من الهَدْي: البَدَنةُ، والبقَرةُ (٣).
قال أبو عُمر: رُوِيَ عن عُمرَ، وابن عبّاس (٤)، وعليٍّ (٥)، وغيرِهِم: ما استيسرَ من الهدي: شاةٌ. وعليه العُلماءُ.
وفي هذا الحديثِ مَعانٍ من الفِقهِ:
مِنْها: أنَّهُ جائزٌ للرَّجُلِ أن يَخرُجَ حاجًّا في الطَّريقِ المَخُوفِ، إذا لم يُوقِنْ بالسُّوءِ ورَجا السَّلامةَ، وإن كان معَ ذلك يخافُ ويخشَى، وليسَ ذلك من رُكُوبِ الغررِ.
وجمنْها: إباحَةُ الإهلالِ والدُّخُولِ في الإحرام على هذا الوَجْهِ، فإن سلِمَ ونَجا نفَذَ لوجهِهِ، وإن مُنِعَ وحُصِرَ، كان لهُ حُكمُ المُحصَرِ، على ما سنَّهُ رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وعمِلَ به حينَ حُصِرَ عامَ الحُديبيةِ.
(١) أخرجه أبو نعيم في المستخرج (٢٨٥٦)، والبيهقي في الكبرى ٥/ ٢١٥، من طريق يحيى بن بكير، به. (٢) انظر: طرح التثريب في شرح التقريب للعراقي ٥/ ١٤٠. (٣) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٥١٨ (١١٤٣). (٤) أخرجه مالك في الموطأ أيضًا ١/ ٥١٨ (١١٤١). (٥) أخرجه مالك في الموطأ أيضًا ١/ ٥١٨ (١١٤٠).