قال أبو عُمر: وقال جماعة من أهلِ العِلم: إنَّ معنى التَّلبيةِ، إجابَةُ إبراهيمَ عليه السَّلامُ حينَ أذَّنَ بالحجِّ في النّاسِ.
ذكر سُنيدٌ، قال: حدَّثنا جريرٌ، عن قابُوسِ بن أبي ظَبْيانَ، عن أبيهِ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا فرغَ إبراهيمُ من بناءِ البَيْتِ، قيلَ لهُ: أذِّنْ في النّاسِ بالحجِّ. قال: ربِّ، وما يَبْلُغُ صوتي؟ قال: أذِّنْ، وعليَّ البَلاع، فنادَى إبراهيمُ: أيُّها النّاسُ، كُتِبَ عليكُمُ الحجُّ إلى البَيْتِ العتيقِ. قال: فسمِعهُ ما بينَ السَّماءِ والأرضِ، أفلا تَرَونَ النّاسَ يجيؤُونَ من أقْطارِ البلادِ (١) يُلبُّونَ (٢)؟
قال: وحدَّثنا حجّاجٌ، عن ابن جُرَيج، عن مجُاهِدٍ في قولِهِ:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}[الحج: ٢٧]. قال: قامَ إبراهيمُ على مَقامِهِ، فقالَ: يا أيُّها النّاسُ، أجيبُوا ربَّكُم. فقالوا: لبَّيكَ اللَّهُمَّ لبَّيكَ، فمَنْ حجَّ اليومَ، فهُو مِمَّن أجابَ إبراهيمَ يومَئذٍ (٣).
قال أبو عُمر: معنى "لبَّيكَ اللَّهُمَّ لبَّيكَ" عندَ العُلماءِ، أي: إجابَتِي إيّاكَ إجابَةٌ بعدَ إجابَةٍ. ومعنى قولِ ابن عُمرَ، وغيرِهِ: لبَّيكَ وسَعْدَيْكَ، أي: أسْعِدنا سَعادَةً بعدَ سَعادةٍ، وإسْعادًا بعد إسعادٍ. وقد قيلَ: معنَى سَعْديكَ: مُساعدةٌ لكَ.
(١) وقع في بعض النسخ: "الأرض"، والمثبت من الأصل. (٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٣٢٤٧٨)، والطبري في تفسيره ١٨/ ٦٠٥، والحاكم في المستدرك ٢/ ٣٨٨، والبيهقي في الكبرى ٥/ ١٧٦، من طريق جرير، به. (٣) أخرجه الطبري في تفسيره ١٨/ ٦٠٦، من طريق الحسين بن داود سنيد، عن حجاج، به.