قال أبو عُمر: يدُلُّ (١) على أنَّ الأقراءَ في بيتِ الأعْشَى: الأطهارُ، وإن كان ذلك فيه بيِّنًا، والحمدُ لله، قولُ الأخطل (٢):
قومٌ إذا حاربُوا شدُّوا مآزِرَهُم ... دُونَ النِّساءِ ولو باتت بأطْهارِ
وقال آخَرُ: فجعلَ القُرءَ: الحيضَ:
يا رُبَّ ذي ضبٍّ على فارِضٍ
لهُ قُرءٌ كقُرءِ الحائضِ
قالوا: القُرءُ في هذا البيتِ: الحيضُ، يُريدُ أنَّ عَداوتهُ تهيجُ في أوقاتٍ معلُومةٍ، كما تحيضُ المرأةُ في أوقاتٍ مَعْلُومةٍ.
وقال القُتَبيُّ (٣) في قولِ الله عزَّ وجلَّ: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة: ٢٢٨] هي الحَيْضُ، وهي الأطْهارُ أيضًا، واحدُها قُرْءٌ، وتُجمَعُ أقْراءً، وإنَّما جُعلَ الحَيْضُ قُرءًا، والطُّهرُ قُرءًا، لأنَّ أصلَ القُرءِ في كلام العربِ: الوقتُ، يُقالُ: رجَعَ فُلانٌ لقُرْئه (٤)، ولقارِئهِ، أي: لوَقتِهِ، وأنشدَ بيتَ الهُذليِّ المذكُور (٥).
قال أبو عُمر: فهذا أصلُ القُرءِ في اللُّغةِ، وأمّا مَعناهُ في الشَّريعةِ، فاختلَفَ العُلماءُ في مُرادِ الله عزَّ وجلَّ من قولِهِ:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة: ٢٢٨] فقال: منهُم قائلُونَ: الأقْراءُ، الحيضُ ها هُنا. واستدلُّوا بأشياءَ كثيرةٍ، منها قولُ الله عزَّ وجلَّ:{ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}. قالوا: والمُطلِّقُ في الطُّهرِ إذا مَضَى بعضُهُ، واعتدَّت به امرأتُهُ، فلم تعتدَّ ولم تَرَبّصْ ثلاثةَ قُرُوءٍ، وإنَّما تربَّصت قُرءَينِ
(١) في م: "يدلّك". (٢) انظر: ديوانه، ص ٨٤. (٣) في د ٤: "العتبي". انظر: غريب الحديث لابن قتيبة ١/ ٢٠٥. (٤) في م: "لقروئه". (٥) قوله: "المذكور" لم يرد في د ٤.