واختلَفَ الفُقهاءُ في اسْتِتابَةِ الزِّنديقِ، المشهُودِ عليهِ بالكُفرِ والتَّعطيل، وهُو مُقِرٌّ بالإيمانِ، مُظْهِرٌ لهُ، جاحِدٌ لما شُهِد بهِ عليه، مُنكِرٌ لهُ.
فقال مالكٌ وأصحابُهُ: يُقتلُ الزَّنادِقةُ ولا يُسْتتابُونَ. قال مالكٌ: ويُسْتَتابُ القَدَريَّةُ، كما يُسْتتابُ المُرْتدُّ. قال ابنُ القاسم: فقيلَ لمالكٍ في القدريَّةِ: كيف يُسْتتابُون؟ قال: يُقالُ لهم: اترُكُوا ما أنتُم عليه، فإن فَعلُوا، وإلّا قُتِلُوا (١).
واختَلَفَ قولُ أبي حنيفةَ وأبي يُوسُفَ في الزِّنديقِ، فقالا مرَّةً: يُسْتتابُ، ومرَّةً قالا: فلا يُستتابُ، ويُقتلُ دُون اسْتِتابةٍ (٢).
وقال الطَّحاويُّ (٣): أخبرنا سُليمانُ بن شُعيبٍ، عن أبيهِ، عن أبي يُوسُف، عن أبي حَنِيفةَ قال: اقتُلِ الزِّنديقَ، فإنَّ تَوْبتهُ لا تُعرفُ. قال: ولم يَحْكِ أبو يُوسُف خِلافًا (٤).
وقال الشّافِعيُّ (٥): يُسْتتابُ الزِّنديقُ، كما يُستتابُ المُرتدُّ ظاهِرًا، فإن لم يَتُب قُتِل. قال: ولو شهِدَ شاهِدانِ على رجُلٍ بالرِّدَّةِ، فأنكرَ، قُتِلَ، فإن أقَرَّ: أن لا إلهَ إلّا اللهُ، وأنَّ محمدًا رسُولُ الله، وتبرَّأ من كلِّ دينٍ خالَفَ الإسلامَ، لم يُكشَفْ عن غيرِهِ.
(١) المدونة ١/ ٥٣١. (٢) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٥٠١، وفتح الباري للحافظ ابن حجر ١٢/ ٢٧٢. (٣) شرح معاني الآثار ٣/ ٢٠٩ - ٢١٠. (٤) في ر ١، ض: "ولم يحك عن أبي يوسف خلافًا" ولا يسوغ مع قوله: "قال". (٥) قوله: "وقال الشافعي" في ر ١، ض: "قد"، وقول الشافعي ذكره ابن المنذر في الأوسط ١٣/ ٤٩٤ (٩٦٦٢).